للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يبايعك، فشاورني حتى آمرك، وأنهاك. انتهى (١).

وقال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: بيع الحاضر للباد: هو أن يخرج الحضريّ، إلى البادي، وقد جلب السلعة، فيُعَرِّفه السعر، ويقول: أنا أبيع لك، فنهى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال: "دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض"، والبادي ههنا: من يدخل البلدة، من غير أهلها، سواء كان بدويًّا، أو من قرية، أو بلدة أخرى، نَهَى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحاضر، أن يبيع له، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "نَهَى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أن تُتَلَقَّى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سمسارًا. متَّفقٌ عليه.

وعن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"، رواه مسلم، وروى مثله ابنُ عمر، وأبو هريرة، وأنس - رضي الله عنه -.

والمعنى في ذلك: أنه متى تُرك البدويّ، يبيع سلعته، اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع من بيعها، إلَّا بسعر البلد، ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في تعليله إلى هذا المعنى. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر أن أقرب التفاسير لبيع الحاضر للبادي، هو الذي فسّر به الشافعيّة، والحنبليّة؛ لأنه الموافق لإطلاق الحديث.

وحاصله أن يَقْدَم غريب بدويًّا كان، أو قرويّا بسلعة إلى البلد يريد بيعها بسعر الوقت؛ ليرجع إلى وطنه، فيأتيه بلديّ، فيطلب منه أن يضع سلعته عنده، حتى يتربّص بها غلاء السعر، فيبيعها، فهذا ممنوع؛ لإضراره باهل البلد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:


(١) "طرح التثريب" ٦/ ٧٢ - ٧٦.
(٢) "المغني" ٤/ ١٥٠.