لفظ:"طعامًا، لا سمراء": يعني لا يردّ قَمْحًا، والمراد بالطعام ها هنا التمر؛ لأنه مطلق في أحد الحديثين، مقيد في الآخر في قضية واحدة، والمطلق فيما هذا سبيله يحمل على المقيد، وحديث ابن عمر، مُطَّرح الظاهر بالإتفاق، إذ لا قائل بإيجاب مثل لبنها، أو مثلي لبنها قَمْحًا، ثم قد شك فيه الراوي، وخالفته الأحاديث الصحاح، فلا يعوّل عليه.
وقياس أبي يوسف مخالف للنص، فلا يلتفت إليه، ولا يبعد أن يقدّر الشرع بدل هذا المتلف، قطعًا للخصومة، ودفعًا للتنازع، كما قدّر بدل الآدمي، ودية أطرافه، ولا يمكن حمل الحديث، على أنَّ الصاع كان قيمة اللبن، فلذلك أوجبه؛ لوجوه ثلاثة:
[أحدها]: أن القيمة هي الأثمان، لا التمر.
[الثماني]: أنه أوجب في المصراة من الإبل، والغنم جميعًا، صاعًا من تمر، مع اختلاف لبنها.
[الثالث]: أن لفظه للعموم، فيتناول كلّ مصرّاة، ولا يتفق أن تكون قيمة لبن كلّ مصراة صاعًا، وإن أمكن أن يكون كذلك، فيتعين إيجاب الصاع؛ لأنه القيمة التي عيّن الشارع إيجابها، فلا يجوز أن يعدل عنها.
وإذ قدمت هذا، فإنه يجب أن يكون الصاع من التمر جيدًا، غير معيب؛ لأنه واجب بإطلاق الشارع، فينصرف إلى ما ذكوناه، كالصاع الواجب في الفطرة، ولا يجب أن يكون من الأجود، بل يجوز أن يكون من أدنى ما يقع عليه اسم الجيد، ولا فرق بين أن تكون قيمة التمر، مثل قيمة لبن الشاة، أو أقلّ، أو أكثر، نص عليه أحمد، وليس هذا جمعًا بين البدل والمبدَل؛ لأنَّ التمر بدل اللبن، قدّره الشرع به، كما قدّر في يدي العبد قيمته، وفي يديه ورجليه قيمته مرتين، مع بقاء العبد على ملك سيده.
وإن عُدم التمر في موضعه، فعليه قيمته في الموضع الذي وقع عليه العقد؛ لأنه بمثابة عين أتلفها، فيجب عليه قيمتها، أفاده في "المغني"(١)، وهو بحثّ جيّدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.