فمأخذ المنع: أن الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز، ويُلغى ما وقع فيه الشك.
وسبب الخلاف: أن النهي عن بيع المزابنة، هل ورد متقدمًا، ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة، وقع مقرونًا بالرخصة، في بيع العرايا؟ فعلى الأول لا يجوز في الخمسة؛ للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز؛ للشك في قدر التحريم، ويُرَجِّح الأول روايةُ سالم المتقدّمة بلفظ:"رَخَّص بعد ذلك في بيع العريّة بالرطب أو بالتمر"، فإنها نصّ في كون الرخصة بعد النهي عن المزابنة.
واحتج بعض المالكية بأن لفظة "دون" صالحة لجميع ما تحت الخمسة، فلو عَمِلنا بها للزم رفع هذه الرخصة.
وتُعُقِّب بأن العمل بها ممكن، بأن يُحْمَل على أقل ما تَصْدُق عليه، وهو المفتى به في مذهب الشافعي، وقد روى الترمذيّ، حديث الباب من طريق زيد بن الْحُبَاب، عن مالك، بلفظ:"أرخص في بيع العرايا، فيما دون خمسة أوسق"، ولم يتردد في ذلك، وزعم المازريّ أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق؛ لوروده في حديث جابر من غير شك فيه، فتعيّن طرح الرواية التي وقع فيها الشك، والأخذ بالرواية المتيقنة، قال: وألزم المزنيُّ الشافعيَّ القولَ به. انتهى.
قال الحافظ: وفيما نقله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء من كتبه ما نقله عنه، وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز، وإنما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزنيُّ أن يقول به الشافعيّ، كما هو بَيِّن من كلامه.
وقد حَكَى ابن عبد البر هذا القول عن قوم، قال: واحتجوا بحديث جابر، ثم قال: ولا خلاف بين الشافعيّ، ومالك، ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق، مما لم يبلغ خمسة أوسق، ولم يثبت عندهم حديث جابر.
قال الحافظ: حديث جابر الذي أشار إليه، أخرجه الشافعيّ، وأحمد، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، أخرجوه كلهم من طريق ابن إسحاق: حدّثني محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - حين أَذِن لأصحاب العرايا، أن يبيعوها بخرصها - يقول:"الوسق، والوسقين، والثلاثة، والأربع"، لفظ