للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): ما قاله التوربشتيّ: لَمّا كان الإنسان بصدد أن يحمله الضجر، والْحُمْق، والغضب على إتلاف نفسه، ويُسَوِّلُ له الشيطان أن الخطب فيه يسير، وهو أهون من قتل نفس أخرى حرم قتلها عليه، وإذا لم يكن لصنيعه مطالب من قِبَل الخلق، فإن الله يغفر له، أعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المكلّفين أنهم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة، ومُعذَّبون به عذابًا شديدًا، فإن ذلك في التحريم، كقتل سائر النفوس المحرَّمة. انتهى (١).

٥ - (ومنها): ما قاله الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: هذا من باب مجانسة العقوبات الأخرويّة للجنايات الدنيويّة، ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي لله تعالى، فلا يتصرّف فيها إلا بما أذن له فيه.

قال القاضي عياض: وفيه حجة لمالك، ومن قال بقوله على أن القصاص من القاتل بما قَتَل به، مُحدّدًا كان أو غير محدّد، خلافًا لأبي حنيفة؛ اقتداءً بعقاب الله عز وجل لقاتل نفسه في الآخرة، ثم ذكر حديث اليهوديّ، وحديث العرنيين.

وتعقّبه ابن دقيق العيد، فقال: هذا الذي أخذه من هذا الحديث في هذه المسألة ضعيفٌ جدًّا؛ لأن أحكام الله تعالى لا تقاس بأفعاله، وليس كلُّ ما ذكر الله أنه يفعله في الآخرة يُشرع لعباده في الدنيا، كالتحريق بالنار، هالساع الحيّات والعقارب، وسَقْي الحميم المقطِّع للأمعاء.

وبالجملة، فما لناَ طريق إلى إثبات الأحكام إلا نصوص تدلّ عليها، أو قياس على المنصوص عند القياسيين، ومن شرط ذلك أن يكون الأصل المقيس عليه حكمًا، أما ما كان من فعل الله تعالى فلا، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وليس ما نعتقده فعلًا لله تعالى في الدنيا أيضًا بالمباح لنا فيه، فإن لله تعالى أن يفعل ما يشاء بعباده، ولا حكم عليه، وليس لنا أن نفعل بهم إلا ما أذن لنا فيه، بواسطة، أو بغير واسطة. انتهى كلام ابن دقيق العيد (٢).


(١) راجع: "الكاشف" ٨/ ٢٤٥٧.
(٢) "إحكام الأحكام" ٤/ ٤٠٨ - ٤١٠ بنسخة الحاشية "العدّة".