وقال النوويّ رحمه الله تعالى: وقوله: "كلُّهم بهذا الإسناد مثله"، وفي رواية شعبة:"عن سليمان: قال: سمعت ذكوان": يعني بقوله: "هذا الإسناد" أن هؤلاء الجماعة المذكورين، وهم: جرير، وعَبْثَرُ، وشعبة، رووه عن الأعمش، كما رواه وكيع في الطريق الأولى، إلا أن شعبة زادها هنا فائدةً حسنةً، فقال:"عن سليمان" - وهو الأعمش - "قال: سمعت ذكوان" - وهو أبو صالح - فَصَرَّحَ بالسماع، وفي الروايات الباقية يقول:"عن"، والأعمش مُدَلّسٌ لا يُحْتَجُّ بعنعنته إلا إذا صَحَّ سماعه الذي عنعنه من جهة أخرى، فَبَيَّنَ مسلمٌ أن ذلك قد صَحَّ من رواية شعبة، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى (١).
وقوله:(مِثْلَهُ) أي مثل متن الحديث السابق.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أما رواية جرير، وعبثر، فلم أجد من ساقهما، وأما رواية شعبة، فقد ساقها البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
(٥٧٧٨) حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت ذكوان، يحدث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَن تَرَدَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردَّى فيه، خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومَن تَحَسَّى سَمًّا فقتل نفسه، فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم، خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومن قَتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يَجَأ بها في بطنه، في نار جهنم، خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا".
وقوله:(وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ) هو الأعمش (قَالَ) أي سليمان الأعمش (سَمِعْتُ ذَكْوَانَ) أي أبا صالح، وغرض المصنّف رحمه الله تعالى بهذا بيان لطيفة إسناديّة مهمّة جدًّا، وهي أن الأعمش مشهور بالتدليس، وقد عنعن في الرواية السابقة مما يوقع في اتّهامه بالتدليس، فأزال ذلك برواية شعبة عنه المصرّحة بسماعه من أبي صالح، على أنه لو لم يُصرّح لكفانا رواية شعبة عنه، فإنه قد صرّح بأنه قال: كفيتكم شرّ تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة، وقد ذكرت هذه القاعدة، وقاعدة رواية الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - في "الجوهر النفيس"، فقلت: