أنها كانت جائحة عامّة، بل لعله أصيب فيها بانحطاط سعرها، وإن قُدِّر أن المصيبة كانت جائحة، فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامّة، بل لعلها جائحة خاصة؛ كسرقة اللصوص التي يمكن الاحتراز منها، ومثل هذا لا يكون جائحة تُسقط الثمنَ عن المشتري، بخلاف نَهْب الجيوش، والتلف بآفة سماوية، وإن قُدِّر أن الجائحة عامة، فليس في الحديث ما يبين أن التلف لم يكن بتفريطه في التأخير، ولو قُدِّر أن التلف لم يكن بتفريطه، فليس فيه أنه طلب الفسخ، وأن توضع عنه الجائحة، بل لعله رضي بالمبيع، ولم يطلب الوضع، والحقّ في ذلك له، إن شاء طلبه، وإن شاء تركه، فأين في الحديث أنه طلب ذلك، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منع منه، ولا يتم الدليل إلا بثبوت المقدمتين، فكيف يعارض نصّ قوله الصحيح الصريح المحكم الذي لا يَحتَمِل غير معنى واحد، وهو نصّ فيه بهذا الحديث المتشابه.
ثم قوله فيه:"ليس لكم فيه إلا ذلك" دليل على أنه لم يبق لبائعي الثمار في ذمة المشتري غير ما أخذه، وعندكم المال كله في ذمته، فالحديث حجة عليكم.
وأما المعارضة بخبر مالك، فمن أبطل المعارضات، وأفسدها، فأين فيه أنه أصابته جائحة بوجه ما؟ وإنما فيه أنه عالجه، وأقام عليه حتى تبيّن له النقصان، ومثل هذا لا يكون سببًا لوضع الثمن، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن القيّم - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد حقّق العلامة ابن القيّم - رحمه الله - هذا الموضوع، وبيّنه أتمّ بيان.
والحاصل أن أحاديث وضع الجائحة صحيحة واضحة الدلالة، فالأرجح القول بوجوب وضع الجائحة، وأما الاحتجاج بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - الآتي في الرجل الذي أصيب في الثمار التي ابتاعها، فيجاب عنه بجوابين:
[أحدهما]: أن أحاديث وضع الجائحة ذُكرت لبيان القاعدة، وحكمِها، وهذا الحديث واقعة عين، فتكون هي أولى منه.