للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لإمكان أن يظهر له مال، ولا يكلَّف أن يكتسب، لا هو ولا مستولدته. وهذا كلّه مردود بنصّ القرآن، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لغرماء معاذ: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"، ولا يجب أن يُتَصَدَّق عليه، ومن فعل ذلك، أو حضَّ عليه كان خيرًا له، وفيه ثواب كثير؛ لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة، أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الأمكان إن كان قد وقع ذلك، وفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك بمعاذ ليتبيّن خصومه أنه ليس عنده شيء، ولتطيب قلوبهم بما أخذوا، فيسهل عليهم ترك ما بقي، وليخفف الدَّين عن معاذ، وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها، وليكون ذلك سُنَّة حسنةً.

وفيه ما يدلّ على نسخ بيع الجزء في الدَّين، كما كان في أول الإسلام، وعلى نسخه تدل الآية، والإجماع. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

[تنبيه]: قصّة معاذ - رضي الله عنه - المذكورة ساقها عبد الرزّاق في "مصنّفه" ٨/ ٢٦٨ فقال:

(١٥١٧٧) - أخبرنا (٢) عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه (٣)، قال: كان معاذ بن جبل رجلًا سمحًا شابًّا جميلًا، من أفضل شباب قومه، وكان لا يُمسك شيئًا، فلم يزل يَدَّانُ حتى أَغْلَق ماله كلَّه من الدَّين، فأتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يطلب إليه أن يسأل غرماءه أن يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لأحد من أجل أحد تركوا لمعاذ بن جبل من أجل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فباع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلَّ ماله في دَينه، حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على طائفة من اليمن أميرًا؛ لِيَجْبُره، فمكث معاذ باليمن، وكان أوّلَ من تجر في مال الله هو، ومكث حتى أصاب، وحتى قُبِض النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما قُبض، قال عمر لأبي بكر: أرسل إلى هذا الرجل، فدع له ما يعيشه، وخذ سائره منه، فقال أبو بكر: إنما بعثه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليجبره، ولست بآخذ منه شيئًا إلا أن يعطيني، فانطلق عمر إلى معاذ؛ إذ لم


(١) "المفهم" ٤/ ٤٢٧.
(٢) قائل "أخبرنا" هو الراوي عن عبد الرزّاق، فتنبّه.
(٣) وهذا إسناد صحيح.