(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم فيمن باع شيئًا مما فيه الربا بعضه ببعض، ومعهما، أو مع أحدهما من غير جنسه:
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعيّ، وأصحابه وغيرهم، المعروفة بـ "مسألة مُدّ عَجْوَة"، وصورتها: باع مُدّ عَجْوة ودرهمًا، بمدّي عجوة، أو بدرهمين، لا يجوز؛ لهذا الحديث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب، وابنه -رضي الله عنهما-، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحق، ومحمد بن عبد الحكم المالكيّ.
وقال أبو حنيفة، والثوريّ، والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله، ولا بدونه.
وقال مالك، وأصحابه، وآخرون: يجوز بيع السيف المحلَّى بذهب وغيره، مما هو في معناه، مما فيه ذهب، فيجوز بيعه بالذهب، إذا كان الذهب في المبيع تابعًا لغيره، وقدّرُوه بأن يكون الثلث، فما دونه.
وقال حماد بن أبي سليمان: يجوز بيعه بالذهب مطلقًا، سواء باعه بمثله من الذهب، أو أقلّ، أو أكثر، وهذا غلط، مخالف لصريح الحديث.
واحتَجّ أصحاب القول الأول بحديث القلادة، وأجابت الحنفية بأن الذهب كان فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، وقد اشتراها باثني عشر دينارًا، قالوا: ونحن لا نجيز هذا، وإنما نجيز البيع إذا باعها، بذهب أكثر مما فيها، فيكون ما زاد من الذهب المنفرد، في مقابلة الخرز ونحوه، مما هو مع الذهب المبيع، فيصير كعقدين، وأجاب الطحاويّ، بأنه إنما نُهِي عنه؛ لأنه كان في بيع الغنائم؛ لئلا يُغبن المسلمون في بيعها، قال الشافعيّة: وهذان الجوابان ضعيفان، لا سيما جواب الطحاويّ، فإنه دعوى مجردة، قالوا: ودليل صحة قولنا، وفساد التأويلين؛ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال:"لا تُباع حتى تُفَصَّل"، وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الآخر في البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع قليلًا، أو كثيرًا، وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- ببعض تصرّف (١).