للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: أراد أن القائل هو سهل بن سعد الراوي، لكن الكشميهني لا يعتمدون على روايته، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ) بالهمز: أي ما أغنى وكفَى أحدٌ مثلَ غَنائه، وكفايته.

قال القرطبيّ: كذا صحّت روايتنا فيه رباعيًّا مهموزًا، ومعناه: ما أغني، ولا كَفَى، وفي "الصحاح": أجزأني الشيءُ: كفاني، وجزى عنّي هذا الأمر: أي قَضَى، ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨]: أي لا تقضي، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بُردة - رضي الله عنه -: "ولن تَجْزي عن أحد بعدك"، متّفقٌ عليه، قال: وبنو تميم يقولون: أجزأت عنك شاةٌ بالهمز، وقال أبو عبيد: جزأتُ بالشيّ، وأجزأتُ: أي اكتفيتُ به، وأنشد [من الوافر]:

فَإِنَّ اللُّؤْمَ فِي الأَقْوَامِ عَارٌ … وَإِنَّ الْمَرْءَ يَجْزَأُ بِالْكُرَاعِ

أي يكتفي به.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا) أداة استفتاح وتنبيه، كَـ "إلا" (إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ") وفي رواية عند البخاريّ: "فقالوا: أيُّنا من أهل الجَنَّة، إن كان هذا من أهل النار؟ "، وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعيّ، عند الطبرانيّ: قال: قلنا: يا رسول الله، فلان يجزئ في القتال، قال: "هو في النار"، قلنا: يا رسول الله، إذا كان فلان في عبادته، واجتهاده، ولين جانبه في النار، فأين نحن؟ قال: "ذلك أخباث النفاق"، قال: فكنا نتحفظ عليه في القتال (١).

(فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) قال في "الفتح": هذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون، كما سيظهر من سياق حديثه (أنا صَاحِبُهُ أَبَدًا) وفي رواية للبخاريّ: "فقال رجل من القوم: لأتبعنه"، قال القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: أي لا أفارقه، وأتتبّع أمره حتى أعرف مآله؛ إذ أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما دلّ على سوء عُقباه وخاتمته، أو سُوء جَرِيرته بكونه من أهل النار، وخبر - صلى الله عليه وسلم - صادقٌ، لا شكّ فيه، وكان ظاهره غيرَ ذلك، من نَصْر الدين، وحُسن البصيرة فيه، فأراد معرفة السبب الموجب لكونه من أهل النار؛ ليزداد يقينًا وبصيرة، كما فَعَل وذكر في


(١) "فتح" ٧/ ٥٤٠.