فسِرُّ مذهبه أنه لا يجتمع التفاضل والنَّساء في الجنس الواحد عنده، والجنس ما اتفقت منافعه، وأشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت حقيقته، فهذا تحقيق مذاهب الأئمة في هذه المسألة المعضلة، ومآخذهم.
وحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- صريح في جواز المفاضلة والنَّساء، وهو حديث حسن، قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: أبو سفيان الذي روى عنه محمد بن إسحاق -يعني هذا الحديث- ما حاله؟ قال: مشهور ثقة، قلت: عن مسلم بن كثير، عن عمرو بن حُريش الزبيديّ؟ قال: هو حديث مشهور، ولكن مالك يحمله على اختلاف المنافع والأغراض، فإن الذي كان يأخذه إنما هو للجهاد، والذي جعله عِوَضه هو من إبل الصدقة، قد يكون من بني المخاض، ومن حواشي الإبل، ونحوها.
وأما الإمام أحمد رحمه الله فإنه كان يُعلّل أحاديث المنع كلّها، قال: ليس فيها حديث يُعتمد عليه، ويُعجبني أن يتوقّاه، وذُكر له حديث ابن عباس، وابن عمر -رضي الله عنهم-، فقال: هما مرسلان، وحديث سمرة عن الحسن، قال الأثرم: قال أبو عبد الله: لا يصحّ سماع الحسن من سمرة.
وأما حديث جابر -رضي الله عنه-، من رواية حجاج بن أرطاة، عن أبي الزبير، عنه، فقال الإمام أحمد: هذا حجاج زاد فيه: "نَساء"، والليث بن سعد سمعه من أبي الزبير، لا يذكر فيه:"نَساء"
وهذه ليست بعلّة في الحقيقة، فإن قوله:"ولا بأس به يدًا بيد" يدلّ على أن قوله: "لا يصلح"؛ يعني: نَساء، فذكرُ هذه اللفظة زيادة إيضاح، لو سكت عنها لكانت مفهومة من الحديث، ولكنه معلّل بالحَجّاج، فقد أكثر الناس الكلام فيه، وبالغ الدارقطنيّ في "السنن" في تضعيفه، وتوهينه.
وقد قال أبو داود: إذا اختلفت الأحاديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نظرنا إلى ما عَمِل به أصحابه من بعده.
وقد ذكرنا الآثار عن الصحابة بجواز ذلك متفاضلًا ونسيئةً.
وهذا كله مع اتحاد الجنس، وأما إذا اختلف الجنس، كالعبيد بالثياب، والشاء بالإبل، فإنه يجوز عند جمهور الأمة التفاضل فيه والنَّساء، إلا ما حُكي رواية عن أحمد: أنه لا يجوز بيعه متفاضلًا يدًا بيد، ولا يجوز نَساءً، وحَكَى