أبو عبد الملك، ليست له صحبة، توفّي سنة (٦٥) تقدّمت ترجمته في "الصيام" ١٣/ ٢٥٨٩.
وقوله:(فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا؟) هذا قاله إنكارًا لما ادّعته أروى، وقد تقدّم من رواية أبي نعيم في "الحلية" أنه قال: "أنا أظلم أروى حقّها؟ فوالله لقد ألقيت لها ستمائة ذراع من أرضي، من أجل حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- … " الحديث.
وقوله:(فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا) قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: "لا أسألك" قرأناه بفتح الكاف، على خطاب سعيد، وهو صحيحٌ، وفيه إشكال، وذلك أن الأرض كانت في يد سعيد، وادَّعَت المرأة أنَّه غصبها إيَّاها، ألا ترى قول عروة: إن أروى ادَّعَت على سعيد أنه أخذ لها شيئًا من أرضها، فهو المدَّعَى عليه، وكيف يُكَلَّف المدَّعَى عليه إقامة البينة على إبطال دعوى الْمُدَّعِي؟! وإنما القضاء كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للحضرميّ المدَّعِي:"شاهداك، أو يمينه"(١)، وإنما يصلح أن يخاطب بهذه الكاف المدَّعِية، وعلى هذا: فينبغي أن تكون مكسورة، ويكون مروان قال لها ذلك كفًّا لها عن تماديها على دعواها؛ لِعِلْمه بصدق سعيد من جهة قرائن أحواله، لا أن الخبر الذي ذكره يدلُّ على براءته من دعواها، لكن ما كان معلومًا من دِينِ سعيد، ومن ورعه، وفضله، وأنه مشهود له بالجنة، وعِظَم هذا الوعيد الشديد الذي سمعه من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مشافهةً مع نزارة هذا القدر المدّعَى عليه به، فحصل عند مروان العلم بصدقه، فقال للمرأة: لا أسألكِ بينة؛ أي: لأنك لا تجدينها بوجه، ثم إنه لم يقض بينهما بشيء، ولم يُحوجه سعيدٌ إلى قضاء، بل بادر إلى أن سلّم لها ما ادَّعته، وزادها من أرضه، فقال: دعوها لها.
قال القرطبيّ: فهذا الذي ظهر لي في هذا الخطاب، فإنه إن كان متوجهًا لسعيد لزم أن يكون مروان عَدَل عن جهة القضاء المنصوص عليها؛ التي لا اختلاف فيها، وأن سعيدًا أقرَّه عليها، وكل ذلك باطل، فتعيَّن ما اخترناه، والله أعلم.
(١) رواه أحمد في "مسنده" (٥/ ٢١١)، والبخاريّ في "صحيحه" (٢٥١٥ و ٢٥١٦).