بعضهم: لا فائدة له غير التأكيد اللفظيِّ؛ فإن العرب قد تعيد اللفظ الأول بحاله، وقد تأتي في كلامها مُتْبِعة على جهة التأكيد، كما قالوا: حسن بَسَنٌ، وقبيح شقيحٌ. وكذلك قالوا هنا: رجل ذَكَر، وابن لبون ذَكَر، ويطير بجناحيه، وعشرة كاملةٌ، فهذا كلامُ العرب. وأجيبوا: بأن العرب لا تؤكد إلا حيث تفيدُ به فائدةً؛ إمَّا تمكين المعنى في النفس، أو رفع المجاز المتوهَّم، وكل ذلك معدومٌ فيما نحن فيه.
وقيل: أفاد بقوله: "ذكر" هنا، وفي قوله:"ابن لَبُون ذكر" التحرز من الخناثى، فلا تُؤخذ الخنثى في فريضة الزَّكاة، ولا يحوز المال إذا انفرد، وإنَّما له نصف الميراثين.
وقيل في اللَّبُون: إنَّما وصف بالذُّكوريَّة ليتحرز ممن يتوهم إطلاق "ابن" على الأنثى، كما قد أطلق "ولد" على الذكر والأنثى.
وقيل: إنَّما نبَّه بالذكورية في المَحَلَّين لينبِّه على معنى مُشْعرٍ بتعليل، وذلك: أن ابن اللبون أفضل من بنت المخاض من حيث السِّن، وقد نزَّله الشارعُ بمنزلتها في الأخذ، فقد يخفى على من بَعُد فَهْمُه، ويقول: كيف يَجْعَلُهُ بدلها وهو أفضل؟ فوصفه بـ "ذكر"؛ ليشعر بنقصه عنها بالذكورية، وإن زاد عليها بالسِّن، وكذلك: وصفُ الرَّجل بالذُّكوريَّة مشعرٌ بأن الذي استحق به التعصيب هو كمال الذُّكوريَّة؛ التي بها قوام الأمور، ومقاومة الأعداء، والله أعلم.
و"العصبة": كل رجل بينه وبين الميت نسب يحوز المال إذا انفرد، فيرث ما فضل عن ذوي السِّهام.
والعصبات ثلاثة أصناف: الأبناء وبنوهم، والآباء وبنوهم، والأجداد وبنوهم، وتفصيل هذه الجملة في كتب الفقه.
ويُستفاد من هذا الحديث: أن النساء لا يكنَّ عصبةً، وقد أطلق الفقهاءُ على الأخت مع البنت أنَّها عصبة، وذلك تجوُّز؛ لأن الأخت لا تحوز المالَ إذا انفردت، لكنَّها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب فأطلق عليها اسمه. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (١).