للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٧ - (ومنها): أن فيه الندبَ إلى التأهّب للموت، والاحتراز قبل الفوت؛ لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت؛ لأنه ما من وقت يُفرض إلا وقد مات فيه جمعٌ جمّ، وكلّ واحد بعينه جائزٌ أن يموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهّبًا لذلك، فيكتب وصيّته، ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر، ويُحبط عنه الوزر، من حقوق الله تعالى، وحقوق عباده، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوصيّة:

قال العلّامة ابن قُدامة رحمه الله في "المغني": لا تجب الوصيّة إلا على من عليه دينٌ، أو عنده وديعةٌ، أو عليه واجبٌ يوصي بالخروج منه؛ فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات، وطريقه في هذا الباب الوصيّة، فتكون مفروضة عليه، فأما الوصيّة بجزء من ماله، فليست بواجبة على أحد، في قول الجمهور، وبذلك قال الشعبيّ، والنخعيّ، والثوريّ، ومالكٌ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وغيرهم.

وقال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أن الوصيّة غير واجبة، إلا على من عليه حقوق بغير بيّنة، وأمانة بغير إشهاد، إلا طائفة شذّت، فأوجبتها، روي عن الزهريّ أنه قال: جعل الله الوصيّة حقًّا مما قلّ، أو كثُر، وقيل لأبي مِجْلَز: على كلّ ميت وصيّةٌ؟ قال: إن ترك خيرًا. وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبةٌ للأقربين الذين لا يرثون، وهو قول داود، وحُكي ذلك عن مسروق، وطاوس، وإياس، وقتادة، وابن جرير.

واحتجّوا بالآية، وخبر ابن عمر، وقالوا: نُسخت الوصيّة للوالدين والأقربين الوارثين، وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين.

واحتجّ الأولون بأن أكثر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُنقل عنهم وصيّةٌ، ولم يُنقل لذلك نكير، ولو كانت واجبةً لم يُخِلّوا بذلك، ولنُقِل عنهم نقلًا ظاهرًا. انتهى المقصود من كلام ابن قدامة رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": واستدلّ بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المذكور في الباب مع


(١) "المغني" ٨/ ٣٩٠ - ٣٩١.