الواجبة، وحقوق الآدميين، وقد تكون غير واجبة، فالأدلة التي تقتضي الوجوب تُحمل على ما إذا كان عليه حقّ واجب، وغيرها يُحمل على غيره، وبهذا تجتمع الأدلّة الواردة في هذا الباب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في قدر المال الذي تُشْرَع فيه الوصيّة: قال الحافظ وليّ الدين رحمه الله: اختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصيّة، أو تجب عند من أوجبها، فروي عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: ستمائة درهم، أو سبعمائة درهم ليس بمال فيه وصيّة، وروي عنه أنه قال: ألف درهم مالٌ، فيه وصيّة. وقال ابن عباس: لا وصيّة في ثمانمائة درهم. وقالت عائشة -رضي الله عنها- في امرأة لها أربعة من الولد، ولها ثلاثة آلاف درهم: لا وصيّة في مالها. وقال إبراهيم النخعيّ: ألف درهم إلى خمسمائة درهم. وقال قتادة في قوله تعالى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}[البقرة: ١٨٠]: الخير ألف، فما فوقها. وعن عليّ: من ترك مالًا يسيرًا، فليدَعْه لورثته، فهو أفضل. وعن عائشة فيمن ترك ثمانمائة: لم يترك خيرًا، فلا يوصي، أو نحو هذا من القول. وحكى ابن حزم عن عائشة أنها قالت فيمن ترك أربعمائة دينار: ما في هذا فضل عن ولده. وقال أبو الفرج السرخسيّ من الشافعيّة: إن من قلّ ماله، وكثر عياله يستحبّ أن لا يفوّته عليهم بالوصيّة. والصحيح المعروف عند الشافعيّة استحباب الوصيّة لمن له مالٌ مطلقًا. انتهى كلام وليّ الدين رحمه الله (١).
وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله بعد أن حكى نحو الخلاف المذكور ما نصّه: والذي يَقْوَى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحبّ الوصيّة؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- علّل المنع من الوصيّة بقوله:"أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدَعَهم عالة"؛ ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبيّ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان ترْكه لهم كعطيّتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصيّة لغيرهم، فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في