كان يحلف بأبيه حتى نُهي عن ذلك، قال: وترجمة أبي داود تدلّ على ذلك. يعني قوله:"باب الحلف بالآباء"، ثم أورد الحديث المرفوع الذي فيه:"أفلح وأبيه، إن صدق"، قال السهيليّ: ولا يصحّ؛ لأنه لا يُظنّ بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحلف بغير الله، ولا يُقسم بكافر، تالله إنّ ذلك لبعيد من شيمته.
وقال المنذريّ: دعوى النسخ ضعيفة؛ لإمكان الجمع، ولعدم تحقّق التاريخ.
[والجواب الرابع]: أن في الجواب حذفًا، تقديره: أفلح وربّ أبيه، قاله البيهقيّ، وقد تقدّم.
[الخامس]: أنه للتعجّب، قاله السهيليّ، قال: ويدلّ عليه أنه لم يرد بلفظ "أبي"، وإنما ورد بلفظ "وأبيه" بالإضافة إلى ضمير المخاطب حاضرًا، أو غائبًا.
[السادس]: أن ذلك خاصّ بالشارع، دون غيره من أمّته.
وتُعُقّب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، قاله في "الفتح".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أرجح الأقوال قول من قال: إنه لمجرّد التأكيد لا للتعظيم، كالبيتين السابقين، وكقول الآخر [من الطويل]:
فإنه محالٌ أن يُقسم بأبي من يهجوه على سبيل الإعظام لحقّه، في أمثلة كثيرة، والنهي إنما ورد في التعظيم.
والحاصل أن ما وقع في الحديث المذكور من قوله:"أفلح وأبيه" من هذا النوع، وما تقدّم من التعقّب بأن ظاهر سياق حديث عمر يدلّ على أنَّه كان يحلفه … إلخ، فنقول: نعم إنه كان حالفًا به، على الوجه المذموم، كما هو عادة قريش، فنهاه الشارع من أجل هذا، وأما استعماله -صلى الله عليه وسلم- فليس من هذا الباب، بل من النوع الآخر الذي هو مجرد التأكيد، فافهم الفرق بينهما تُرشَدْ، والله الهادي إلى سواء السبيل.