وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: اللات، والعزّي، ومناة أصنامٌ ثلاثةٌ كانت في جوف الكعبة. وقيل: اللات بالطائف، والعُزّى بغَطَفان، وهي التي هدمها خالد بن الوليد، ومناة بقُدَيد. وقيل: بالمشلَّل. فأما اللات، فقيل: إنهم أرادوا به تأنيث اسم الله تعالى. وقيل: أرادوا يسمّوا بعض آلهتهم باسم الله تعالي، فصرف الله ألسنتهم عن ذلك، فقالوا: اللات؛ صيانة لذلك الاسم العظيم أن يُسمّى به غيره، كما صرف ألسنتهم عن سبّ محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى مُذَمَّم، فكانوا إذا تكلّموا باسمه في غير السبّ، قالوا: محمد، فإذا أرادوا أن يسبّوه، قالوا: مذمّم، حتى قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- "ألا تعجبون مما صرف الله عنّي من أذى قريش؟ يسبّون مذمّمًا، وأنا محمد"، رواه البخاريّ.
ولَمّا نشأ القوم على تعظيم تلك الأصنام، وعلى الحلف بها، وأنعم الله عليهم بالإسلام، بقيت تلك الأسماء تجري على ألسنتهم من غير قصد للحلف بها، فأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من نطق بذلك أن يقول بعده: لا إله إلَّا الله، تكفيرًا لتلك اللفظة، وتذكيرًا من الغفلة، وإتمامًا للنعمة. وخصَّ اللات بالذكر في هذا الحديث؛ لأنَّها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم، وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها؛ إذ لا فرق بينها.
والْعُزَّى تأنيث الأعزّ، كالْجُلَّى تأنيث الأجلّ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
(فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؛ أي: استدراكًا لما فاته من تعظيم الله تعالى في محلّه، ونفيًا لِمَا تعاطى من تعظيم الأصنام صورةً، وأما من قصد الحلف بالأصنام تعظيمًا لها، فإنه كافر بلا خلاف، -نعوذ بالله تعالى من ذلك-.
وأخرج أحمد، والنسائيّ، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: كنا نَذْكُر بعض الأمر، وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعُزَّي، فقال لي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بئسما قلت، أئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره، فإنا لا نراك إلَّا قد كفرت، فأتيته، فأخبرته، فقال لي: "قل: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، ثلاثَ مرّات، وتعوّذ بالله من