للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السيل: ارتفع حتى جاوز الحدّ في الكثرة، والطاغوت: الشيطان، وهو في تقدير فَعَلُوت بفتح العين، لكن قُدّمت اللام موضع العين، واللامُ واوٌ محرّكةٌ، مفتوحٌ ما قبلها، فقُلبت ألفًا، فبقي في تقدير فَلَعُوت، وهو من الطغيان. قاله الزمخشريّ. انتهى (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله ما نصّه: الطواغي: جمع طاغية، كالرَّوَابي: جمع رابية، والدَّوالي: جمع دالية، وهي مأخوذ من الطغيان، وهو الزيادة على الحدّ، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)} الآية [الحاقة: ١١]؛ أي: زاد. قال: والطواغي، والطواغيت: كلّ معبود سوى الله تعالى. قال: وقد تقرّر أن اليمين بذلك محرّم، وعلى ذلك فلا كفّارة فيه عند الجمهور؛ لأجل الحلف بها، ولا لأجل الحنث فيها، أما الأول؛ فلأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "من قال: واللات والعزّي، فليقل: لا إله إلَّا الله"، ولم يذكر كفّارةً، ولو كانت لوجب تبيينها لتعيّن الحاجة لذلك. وأما الثاني، فليست بيمين منعقدة، ولا مشروعة، فيلزمَ بالحنث فيها الكفّارة، وقد شذّ بعض الأئمّة (٢)، وتناقض فيما إذا قال: أُشرك بالله، أو أكفُر بالله، أو هو يهوديٌّ، أو نصرانيّ، أو بريء من الإسلام، أو من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو من القرآن، وما أشبه ذلك، فقال: هي أيمانٌ يلزم بها كفارةٌ إذا حنِثَ فيها، أما شذوذه، فلأنه لا سلف له فيه من الصحابة، ولا موافق له من أئمّة الفتوى فيما أعلم. وأما تناقضه، فلأنه قال: لو قال: واليهوديّةِ، والنصرانيّة، والنبيّ، والكعبةِ، لم يجب عليه كفّارة عنده، مع أنَّها على صيغ الإيمان اللغويّة، فأوجب الكفّارة فيما لا يُقال عليه يمين، لا لغةً، ولا شرعًا، ولا هو من ألفاظها، ولو عكس لكان أولي، وأمسّ، ولا حجة له في آية كفّارة اليمين؛ إذ تلك الكلمات ليست أيمانًا، كما بيّنّاه، ولو سلّمنا أنَّها أيمان، فليست بمنعقدة، فلا يتناولها العموم، ثم يلزم بحكم العموم أن يوجب الكفّارة في كلّ ما يقال عليه يمينٌ لغةً، وعرفًا، ولم يقل بذلك، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله بتصرّف يسير، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٣٧٣ - ٣٧٤.
(٢) هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله.