للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي حديث أمّ سلمة عند الطبرانيّ نحوه، ولفظه: "فليكفّر عن يمينه، ثم ليفعل الذي هو خير". انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم من الأدلة أن ما ذهب إليه الجمهور، من جواز التكفير قبل الحنث هو الأرجح؛ لقوّة دليله، كما سبق تقريره، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الخامسة): اختُلف: هل كفّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن يمينه المذكور؟ كما اختُلف: هل كفّر في قصّة حلفه على شرب العسل، أو على غشيانه مارية -رضي الله عنهما-؟ فرُوي عن الحسن البصريّ رحمه الله أنه قال: لم يُكفّر أصلًا؛ لأنه مغفور له، وإنما نزلت كفّارة اليمين تعليمًا للأمة. وتُعُقّب بما أخرجه الترمذيّ من حديث عمر -رضي الله عنه- في قصّة حلفه على العسل، أو مارية، فعاتبه الله، وجعل له كفّارة يمين. وهذا ظاهر في أنه كفّر، وإن كان ليس نصًّا في ردّ ما ادّعاه الحسن، وظاهر قوله أيضًا في حديث الباب: "وكفّرت عن يميني" أنه لا يترك ذلك، ودعوى أن ذلك كلّه للتشريع بعيد. قاله في "الفتح" (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المتصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:

[٤٢٥٦] ( … ) - (حَدَّثَنَا عبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ -وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ- قَالَا: حَدَّثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: أَرْسَلَني أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْأَلُهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ -وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيءٍ"، وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا أَشْعُرُ، فَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمْ أْلبَثْ (٢) إِلَّا سُويعَةً، إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْ


(١) راجع: "الفتح" ١٥/ ٤١٠.
(٢) وفي بعض النسخ: "فلم يلبث".