للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (تَسْأَلُنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَأَنَا ابْنُ حَاتِمٍ؟) الظاهر أن هذا من عديّ -رضي الله عنه- إنكار، واستقلال لِمَا سأله السائل، فكأنه يقول: كيف تسألني هذا الشيء اليسير، وأنا من عُرفتُ؟ أي: نحن معروفون ببذل الكثير، والله تعالى أعلم.

وكتب بعض الشرّاح ما حاصله: اختَلَف الشرّاح في تفسيره، فحاصل ما قاله القرطبيّ رحمه الله أن عديّ بن حاتم -رضي الله عنه- استَقَلّ هذا السؤال، فكأنه قال: تسألني هذا القدر اليسير، وأنا ابن حاتم الطائيّ المعروف ببذل الكثير والسخاء؟.

وحاصل ما قاله القاضي عياض رحمه الله: أن السائل سأله، وهو يعلم أنه ليس عنده ما يُعطيه الآن، فكأن السائل أراد أن يُظهر بُخله ومنعه، فقال: تسألني مائة درهم، وأنت تعلم أنها ليست عندي، وأنا ابن حاتم، فيشقّ عليّ المنع، فلذلك قال: والله لا أعطيك شيئًا، ولم يعذره.

قال: ثم إن سبب اليمين في هذه الرواية غير ما ذُكر قبلُ في رواية جرير، عن عبد العزيز بن رُفيع، وظاهر كلام القرطبيّ، وأبي الحسن السنديّ- رحمهما الله- أنهما يَحمِلان الروايتين على واقعتين، قال: ولا يطمئنّ إليه خاطري؛ لأن الحديث واحد، والراوي واحد، وكلتا الروايتين رواهما تميم بن طَرَفَةَ، ومضمون كلّ منهما مماثل لمضمون الآخر.

قال: ويمكن التطبيق على تفسير القرطبيّ رحمه الله بأن السائل كان يريد أن يُظهر بخله ومنعه، فسأله في حين كان يَعلم أنه ليس عنده مائة درهم، فقال له عديّ -رضي الله عنه-: تسألني مائة درهم في هذه الحال، ولكني ابن حاتم، فأكتب لك إلى أهلي أن يعطوكها، فلما لم يرض بذلك عَرَف أنه لا يريد الخير، فحلف على أن لا يعطيه، فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا بُعد في حمل الحديثين على واقعتين، بل هو أولى من هذا التأويل المتكلّف، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.


(١) "تكملة فتح الملهم" ٢/ ٢٠٢.