للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُحَلِّفُ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا، صَادِقًا أو كَاذِبًا، وَقِيلَ: هو مُقَيَّد بِصِدْقِ الْمُحَلَّفِ فِيمَا ادَّعَاهُ، أَمَّا لو كان كَاذِبًا كان الاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ، وقد ذَهَبَت الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الحديث بِكَوْنِ الْمُحَلِّفِ هو الْحَاكِمَ، وَلَفْظُ: "صَاحِبِك" في الحديث يَرُدُّ عليهم، وَكَذَلِكَ ما ثَبَتَ في رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: "الْيَمِينُ على نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ".

ثم ذكر كلام النوويّ السابق، ثم قال: وقد حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ على أَنَّ الْحَالِفَ من غَيْرِ اسْتِحْلافٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَق بِيَمِينِهِ له نِيّتهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَأَمَّا إذَا كان لِغَيْرِهِ حَق عليه فَلا خِلافَ أَنَّهُ يُحْكَمُ عليه بِظَاهِرِ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ حَلَفَ مُتَبَرِّعًا، أو بِاسْتِحْلافٍ. انتهى مُلَخَّصًا.

قال: وإذا صَحَّ الْإِجْمَاعُ على خِلافِ ما يَقْضِي بِهِ ظَاهِرُ الحديث كان الاعْتِمَادُ عليه، قال: وُيمْكِنُ التَّمَسُّكُ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ سُوَيْد بن حَنْظَلَةَ الآتي، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حَكَمَ له بِالْبِرِّ في يَمِينِهِ، مع أَنَّهُ لا يَكُونُ بَارًّا إلَّا بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْأُخُوَّةَ الْمَجَازِيَّةَ، وَالْمُسْتَحْلِفُ له قَصْدُ الْأُخُوَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلَعَلَّ هذا هو مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجّح عندي أن يكون حديث الباب على إطلاقه، ويُستثنى من ذلك إذا كان يترتّب عليها نفع لمسلم، أو دفع ضرر عنه، سواء كان الحالف نفسه، أو غيره من المسلمين، فتكون على نيّة الحالف، ودليل ذلك ما أخرجه أبو داود، وابن ماجه من حديث سُويد بن حنظلة -رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا نريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدُوّ له، فتحرّج القوم أن يحلفوا، وحَلَفت أنه أخي، فخُلِّي سبيله، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرته أن القوم تحرّجوا أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، قال: "صدقتَ، المسلم أخو المسلم"، وهو حديث صحيح (٢).

فقد دلّ هذا الحديث على أن اليمين إذا ترتب عليها نفع لمسلم، أو دفع


(١) "نيل الأوطار" ٩/ ١١٢ - ١١٣.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه".