التثبّت فيها، والذي ثبت عندنا في "الصحيحين" ما جاوز المائة، فالعمدة عليه، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) سليمان عليه السلام (لأَطُوفَنَّ عَلَيْهِنَّ اللَّيْلَةَ) وفي رواية: "لأُطيفنّ" قال القرطبيّ رحمه الله: كلاهما صحيح في اللغة، يقال: أطفت بالشيء، أُطيف به، وأنا مُطيف، وطُفْتُ على الشيء، وبه، أطوف، وأنا طائفٌ، كما قال تعالى:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ}[القلم: ١٩]، وأصله الدَّوَرَانُ حولَ الشيء، ومنه الطواف بالبيت، وهو في هذا الحديث كناية عن الجماع، كما جاء عن نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-: "أنه كان يطوف على نسائه، وهنّ تسع، في ساعة واحدة، من ليل، أو نهار"، متّفقٌ عليه.
قال: وهذا الكلام قَسَمٌ، وإن لم يُذكر فيه مُقْسَم به؛ لأن لام "لأطوفنّ" هي الداخلة على جواب القسم، فكثيرًا ما تَحْذِف معها العربُ المُقْسَم به؛ اكتفاءً بدلالتها على المُقْسَم به، لكنها لا تدلّ على مُقْسَم به معيّن. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
وقال في "الفتح": اللام جواب القسم، كأنه قال مثلًا: والله لأطوفنّ، ويرشد إليه ذكر الحنث في قوله:"لم يحنث"؛ لأن ثبوته ونفيه يدلّ على سبق اليمين، وقال بعضهم: اللام ابتدائية، والمراد بعدم الحنث وقوع ما أراد، وقد مشى ابن المنذر على هذا في كتابه الكبير، فقال:"باب استحباب الاستثناء في غير اليمين لمن قال: سأفعل كذا"، وساق هذا الحديث، وجزم النوويّ بأن الذي جرى منه ليس بيمين؛ لأنه ليس في الحديث تصريح بيمين، كذا قال، وقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث، واختُلِف في الذي حَلَف عليه، هل هو جميع ما ذُكِر، أو دورانه على النساء فقط دون ما بعده، من الحمل، والوضع، وغيرهما؟ والثاني أوجه؛ لأنه الذي يقدر عليه، بخلاف ما بعده، فإنه ليس إليه، وإنما هو مجرد تمني حصول ما يستلزم جلب الخير له، وإلا فلو كان حلف على جميع ذلك لم يكن إلا بوحي، ولو كان بوحي لم يتخلف، ولو كان بغير وحي لزم أنه حلف على غير مقدور له، وذلك لا يليق بجنابه.