للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ)؛ أي: لابتغاء مرضاته، قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: ليس فيه أنه -صلى الله عليه وسلم- أمره بعتقه، ولكنه رأى أنه زاد على حدّ الأدب مما استوجب به عقوبة الله تعالى، ألا ترى كيف كان العبد يستغيث منه بالله تعالى، وهو يضربه، حتى استعاذ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١).

وقوله: ("أَمَا لَوْ لم تَفْعَلْ) وفي نسخة: "أما والله لو لم تفعل"، و"أما" بالتخفيف للتنبيه، والاستفتاح، كـ "ألا أي: لو ما فعلت ما فعلت من إعتاق هذا العبد.

وقوله: (لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ") "أو" للشكّ من الراوي؛ أي: أحرقتك، أو لمستك النار؛ أي: أصابتك؛ إذ ضربته ظلمًا، ولم يَعْفُ عنك.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه تنبيه على أن الذي فعله من ضرب عبده حرام، فكأنه تعدَّى في أصل الضرب؛ بأن ضربه على ما لا يستحقّ، أو في صفة الضرب، فزاد على المستَحَق. ولا يُخْتَلَف: في أن تأديب العبد بالضرب، والحبس، وغيره جائز إذا وقع في محله وعلى صفته.

ومساق الرواية الأخرى يدلُّ على تحريم قذف المملوك، وأنَّه ليس فيه في الدنيا حدٌّ للقذف، وهو مذهب مالك، والجمهور، وهو المفهوم من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤]، فإن الإحصان هنا يمكن حمله على الإسلام والحرية والعفة، على قول من يرى: أن اللفظ المشترك يحمل على جميع محامله، ولأن العبد ناقص عن درجة الحر نقصانًا عن كفر، فلا يحدُّ قاذفه، كما لا يحذ قاذف الكافر، ولأنَّه ناقصٌ عن درجة الحُر، فلا يحدُّ الحر بقذفه؛ كما لا يقتل به.

وقد ذهب قوم: إلى أن الحرَّ يحدُّ إذا قذف العبد. والحجة عليهم كلّ ما ذكرناه من الحديث، والقرآن، والقياس. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي تحقيق هذه المسألة بأدلّتها في محلها -إن شاء الله تعالى-.


(١) راجع: "شرح الأبّيّ" ٤/ ٣٨٥ - ٣٨٦.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٤/ ٣٤٩ - ٣٥٠.