للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اختلفت ألفاظ هذا الحديث في الحلة، فقد وقع بلفظ: "عليه حلةٌ، وعلى غلامه حلةٌ"، وفي رواية الأعمش بلفظ: "رأيت عليه بردًا، وعلى غلامه بردًا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته، كانت حلةً"، وفي رواية لمسلم بلفظ: "فقلنا: يا أبا ذرّ لو جمعت بينهما كانت حلة"، وفي رواية أبي داود: "فقال القوم: يا أبا ذر لو أخذت الذي على غلامك، فجعلته مع الذي عليك لكانت حلة"، وفي رواية الإسماعيليّ من طريق معاذ، عن شعبة: "أتيت أبا ذرّ، فإذا حلة عليه، منها ثوب، وعلى عبده منها ثوب"، وقد بيّنا أن الحلة ثوبان من جنس واحد.

قال: والتوفيق بين هذه الألفاظ أن لفظه ههنا (١) يدل على الحلتين: حلة على أبي ذرّ، وحلة على عبده، ولفظه في رواية الأعمش يدل على أن الذي كان عليه هو البرد، وعلى غلامه كذلك، ولا يسمى هذا حلةً إلا بالجمع بينهما، ولهذا قال في رواية مسلم: "لو جمعت بينهما كانت حلة"، وكذا في رواية أبي داود، وروايةُ الاسماعيليّ تدل على أنها كانت حلة واحدة باعتبار جمع ما كان على أبي ذرّ وعلى عبده من الثوبين، فتُحمل "عليه حلّة، وعلى غلامه حلّة" على المجاز باعتبار ما يؤول، ويضم إلى الثوب الذي كان على كل واحد منهما ثوب آخر، أو باعتبار إطلاق اسم الكل على الجزء، فلما رأى المعرور على أبي ذرّ ثوبًا، وعلى غلامه ثوبًا من الأبراد، أطلق على كل واحد منهما حلةً باعتبار ما يؤول، وتدل عليه رواية مسلم: "لو جمعت بينهما كانت حلةً"، وكذا رواية أبي داود، وأما رواية الإسماعيليّ، بلفظ: "فإذا حلة عليه، منها ثوب، وعلى عبده منها ثوب"، فإنها أيضًا مجاز، ولكن المجاز فيها في موضع واحد، وأما في الرواية التي فيها لفظ: "وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة" فالمجاز في الموضعين، فافهم. هذا حاصل ما ذكره العينيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢) من وجه الجمع بين هذه الروايات، وهو جمع حسنٌ، والله تعالى أعلم.

(فَقُلْنَا) وفي رواية: "فقال القوم" (يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا)؛ أي: بين


(١) يعني: رواية البخاريّ في "الإيمان" بلفظ: "لقيت أبا ذرّ بالربذة، وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة".
(٢) راجع: "عمدة القاري" ١/ ٣٢٨، كتاب "الإيمان".