(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) - رضي الله عنهما - (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ) هو أبو مذكور (أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ) اسمه يعقوب (عَنْ دُبُرٍ) معناه: أنه قال له: أنت حرّ عن دبري؛ أي: بعد موتي، وسُمِّي هذا تدبيرًا؛ لأنه يَحْصُلُ العتق فيه في دُبُر الحياة.
وقوله:(لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ) فيه بيان سبب بيعه، وهو كونه لا يملك شيئًا غيره، وأصرح من هذا رواية للبخاريّ، من طريق عطاء بن أبي ربّاح، عن جابر:"أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دبر"، فاحتاج، فأخذه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"من يشريه منّي. . ." الحديث، ففيها التصريح بأنّ سبب بيعه هو احتياجه إلى ثمنه.
وقد جاءت رواية أخرى فيها بيان أن سببه هو الدَّين، فقد أخرج الإسماعيليّ، من طريق أبي بكر بن خلّاد، عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، وفيه:"أعتق غلامًا له، وعليه دَينٌ".
وقد جاءت رواية أخرى بيّنت السببين معًا، فقد أخرج النسائيّ من طريق الأعمش، عن سلمة بن كُهَيل، بلفظ:"أنّ رجلًا من الأنصار أعتق غلامًا له عن دُبُر، وكان محتاجًا، وكان عليه دَينٌ، فباعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثمانمائة درهم، فأعطاه، وقال: اقض دَينك".
والحاصل أنّ سبب بيعه كونه فقيرًا محتاجًا إليه، حيث لا مال له سواه، وتحمّله الدَّين، والله تعالى أعلم.
(فَبَلَغَ ذَلِكَ)؛ أي: عتقه المذكور (النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب على المفعوليّة (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (مَنْ) استفهاميّة مبتدأ، خبره قوله:(يَشْتَرِيهِ مِنِّي) فيه جواز بيع المدبَّر، وفيه خلاف بين أهل العلم، والراجح جوازه مطلقًا، وهو قول الشافعيّ، وأهل الحديث.
ومنهم من منع مطلقًا، وهو قول مالك، والأوزاعيّ، والكوفيين.
ومنهم من أجازه للحاجة، وهو قول الليث بن سعد.
قال النوويّ - رحمه الله -: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعيّ، وموافقيه أنه يجوز بيع المدبَّر قبل موت سيّده؛ لهذا الحديث قياسًا على الموصَى بعتقه، فإنه