(فَإِنَّهُ يَرَاكَ) تقدّم تحقيق هذه الجملة في شرح الحديث الماضي (قَالَ) الرجل (يَا رَسُولَ اللهِ) وفي رواية النسائيّ: "يا محمد"(مَتَى السَّاعَةُ؟)، أي: متى تقوم القيامة؟ زاد عند النسائيّ:"قال: فنَكَسَ، فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يُجبه شيئًا، ورفع رأسه، فقال: ما المسئول عنها … " (قَالَ: "مَا الْمسئول عَنْهَا بِأَعْلَمَ) الباء زائدة لتأكيد النفي (مِنْ السَّائِلِ) إنما عَدَل عن قوله: "لست بأعلم بها منك" إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضًا للسامعين، يعني أن كل مسئول وكل سائل عن وقت الساعة سواء، فكلهم غير عالمين بها على الحقيقة، وهذا وإن كان مشعرًا بالتساوي في العلم، لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها؛ لقوله بعدُ: "خمسٌ لا يعلمها إلا الله"، وسيأتي نظير هذا التركيب ما وقع عند النسائيّ في أواخر هذا الحديث، من قوله: "ما كنت بأعلم به من رجل منكم"، فإن المراد أيضًا التساوي في عدم العلم به، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - هنا، فقال: "سبحان الله، خمسٌ من الغيب لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا الآية".
قال النووي رحمهُ اللهُ: يُستنبط منه أن العالم إذا سُئل عما لا يَعلَم يُصَرِّح بأنه لا يعلمه، ولا يكون في ذلك نقصٌ من مرتبته، بل يكون ذلك دليلًا على مزيد وَرَعِه.
وقال القرطبي رحمهُ اللهُ: مقصود هذا السؤال كَفُّ السامعين عن السؤال عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها، كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث، فلما حَصَلَ الجواب بما ذُكِر هنا حصل اليأس من معرفتها، بخلاف الأسئلة الماضية، فإن المراد بها استخراج الأجوبة؛ ليتعلمها السامعون ويعملوا بها، ونَبّه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن.
(وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا) بفتح الهمزة، أي: علاماتها، واحدها شَرَطٌ - بفتح الشين والراء - قال أبو جعفر الطبريّ: ومنه سُمّي الشُّرَاط؛ لجعلهم لأنفسهم علامةً يُعرفون بها، وقيل: أشراطها: مقدّماتها، وأشراط الأشياء أوائلها، ومن ذلك سُمّي الشَّرَطان (١)؛ لتقدّمهما أول الربيع، وقيل: