ذلك هي عقوبةٌ بالمثل، ليست بعُدوان، والمثلُ هو العدل.
وأما كون المُثلة منهيًّا عنها؛ فلِمَا روى أحمد في "مسنده" من حديث سمرة بن جندب، وعمران بن حصين - رضي الله عنهم -، قالا:"ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبةً، إلا أمرنا بالصدقة، ونهانا عن المثلة".
[فإن قيل]: لو لم يمُت إذا فُعل به نظير ما فعل، فأنتم تقتلونه، وذلك زيادة على ما فعل، فأين المماثلة؟.
[قيل]: هذا يُنتقض بالقتل بالسيف، فإنه لو ضربه في العنق، ولم يوجبه، كان لنا أن نضربه ثانيةً، وثالثةً، حتى يوجبه اتفاقًا، وإن كان الأول إنما ضربه ضربة واحدة، واعتبار المماثلة له طريقان:
[إحداهما]: اعتبار الشيء بنظيره ومثله، وهو قياس العلّة الذي يُلحق فيه الشيء بنظيره.
[والثاني]: قياس الدلالة الذي يكون الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلّة، ولازمها، فإن انضاف إلى واحد من هذين عموم لفظيّ كان من أقوى الأدلّة؛ لاجتماع العمومين: اللفظيّ، والمعنويّ، وتضافر الدليلين: السمعيّ، والاعتباريّ.
فيكون موجَبُ الكتاب، والميزان، والقصاص في مسألتنا هو من هذا الباب، كما تقدّم تقريره، وهذا واضحٌ، لا خفاء به، ولله الحمد، والمنّة. انتهى كلام الإمام ابن القيّم - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أعطى الإمام ابن القيّم - رحمه الله - هذه المسألة حقّها من التحقيق، والاستقصاء في الاستدلال، فأجاد، وأفاد، وأسهب، وأعاد، فجزاه الله تعالى خيرًا.
وخلاصة البحث أن الصواب وجوب القصاص في الطعنة، واللطمة، والجبْذة، ونحوها؛ لعموم الأدلّة، وعَمَل الخلفاء الراشدين، وجمهور السلف بذلك، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.