للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به: كفران النِّعم، أو هو محمول على من استحلّ قتال المسلمين بلا شبهة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: بهذا وأشباهه كَفّر الخوارج عليًّا، ومعاوية، وأصحابهما، وهذا إنما صدر عنهم؛ لأنَّهم سمعوا الأحاديث ولم يُحِطْ بها فهمهم، كما قرؤوا القرآن، ولم يجاوز تراقيهم، فكأنهم ما قرؤوا قول الله - عز وجل -: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ٩ - ١٠]، فأبقى عليهم اسم الإيمان وأخوّته، مع أنهم قد تقاتلوا، وبغت إحداهما على الأخرى، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨ و ١١٦]، والقتل ليس بشرك بالاتفاق والضرورة، وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارةٌ له"، وقد تقدم هذا المعنى في "كتاب الإيمان".

وإنَّما يُحْمَل الحديث على التشبيه تغليظًا؛ وذلك: أن المسلمين إذا تحاجزوا، وتقاتلوا؛ فقد ضلَّت الطائفة الباغية منهما، أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق، وكفرت حقّ الأخرى وحرَّمتها، وقد تشبَّهوا بالكفار، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع على ما يكون في أمَّته من الْمِحَن والفتن، فحذَّر من ذلك، وغلَّظه بذلًا للنصيحة، ومبالغة في الشفقة. انتهى (٢).

(أَلَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ)؛ أي: الحاضر في هذا المجلس (الْغَائِبَ)؛ أي: الذي غاب عنه، والمراد: إما تبليغ الخطبة المذكورة، أو تبليغ جميع الأحكام، (فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ) بضمّ أوله، وتشديد اللام، مبنيًّا للمفعول، (يَكُونُ أَوْعَى)؛ أي: أحفظ، من الوعي، وهو الحفظ والفهم (٣). (لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ") "من" صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصل بينهما؛ لِأنْ يُتوسّع في الظرف، وأيضًا فليس الفاصل أجنبيًّا.


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٦٩.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٨ - ٤٩.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ٥٥.