وقال الأبيّ - رحمه الله -: كون الوليّ من أهل النار إنما هو لأمر آخر عَلِمه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لا من أجل قصاصه، أو يكون استحقّ ذلك؛ لإغضابه - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يقبل ما أمره به من العفو مرّة بعد أخرى، فإنه جاء أنه أَمَره أربع مرّات، وفي كلّها يأبى، وقيل: ليس المراد بقوله: "القاتل والمقتول في النار" هذين الشخصين؛ لأنه كيف يصحّ، وقد أباح له قتله؟ وإنما قاله - صلى الله عليه وسلم - في المتقاتلين عصبيّةً، كقوله:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، فلما سَمِع الوليّ هذا لم يفهم معناه، وتورّع لعمومه، وهذا التأويل بعيد من لفظ الحديث، ومن إقرار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على تركه، وهو موضع بيان، وقال النوويّ: ليس ببعيد؛ لأن المقصود به التعريض، كما تقدّم للقاضي عياض.
وفي الحديث أن قَتْل القِصاص لا يُكفّر ذنب القاتل بالكليّة، وإنما يكفّر ما بينه وبين الله - عز وجل -، كما جاء في الحديث الآخر:"فهو كفّارة له".
وقال ابن رُشد: إذا أقيد من القاتل، فمن أهل العلم من يقول: إن القصاص كفّارة له؛ لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: "ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب، فهو كفّارة له. . ." الحديث، متّفق عليه، ومنهم من قال: لا تكون كفّارةً؛ لأن القتيل لا منفعة له في القصاص، وإنما ينتفع به الأحياء؛ لينزجر الناس عن القتل، فالقصاص على هذا القول مخصّص لعموم حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - المذكور، ويبقى الحديث مستعملًا فيما هو من حقوق الله لا يتعلّق به حقّ لمخلوق، ويشهد لكون الحدود لا تكون كفّارةً قوله تعالى في المحاربين:{ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة: ٣٣]. انتهى كلام الأبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.