إلى حرز، فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر، فهو مختلسٌ، ومُستلبٌ، ومُنتهبٌ، ومُحترسٌ، فإن منع مما في يده، فهو غاصبٌ له.
قال القرطبيّ: وهذا الذي قاله ابنُ عرفة هو السارق في عُرف الشرع.
ويستدعي النظر في هذا الباب النظرَ في السارق، والمسروق منه، والشيء المسروق، وحكم السارق، ولا خلاف في أن السارق إذا كَمَلت شروطه، يُقطع، دون الغاصب، والمختلسِ، والخائن، وفيمن يستعير المتاع، فيجحده خلافٌ شاذٌّ، حُكي عن أحمد، وإسحاق، فقالا: يُقطع، والسلف، والخلف على خلافهما، وسيأتي القول فيه في حديث المخزوميّة.
قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي أن الأرجح ما ذهب إليه أحمد، وإسحاق، من قطع جاحد العريّة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: وإنما خصّ الشرع القطع بالسارق؛ لأن أخذ الشيء مُجاهرةً يُمكن أن يُسترجع منه غالبًا، والخائن مكّنه ربّ الشيء منه، وكان ممكّنًا من الاستيثاق بالبيّنة، وكذلك المُعِير، ولا يُمكن شيء من ذلك في السرقة، فبالغ الشرع في الزجر عنها.
وقد أجمع المسلمون على أن اليمنى تُقطع إذا وُجدت؛ لأنها الأصل في محاولة كلّ الأعمال. انتهى كلام القرطبيّ (١).
وقال في "الفتح" عند قول البخاريّ: "باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية [المائدة: ٣٨] ما نصّه: كذا أطلق في الآية اليد، وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة، واختلفوا فيما لو قُطعت الشمال عمدًا أو خطأ، هل يجزئ؟ وقدّم السارق على السارقة، وقدِّمت الزانية على الزاني؛ لوجود السرقة غالبًا في الذكورية، ولأن داعية الزنا في الإناث أكثر؛ ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا؛ إذ لا يتأتى غالبًا إلا بطواعيتها.
وقوله بصيغة الجمع، ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق، فلوحظ فيه المعنى، فجَمَع، والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما.
والسرقة - بفتح السين، وكسر الراء، ويجوز إسكانها، ويجوز كسر أوله، وسكون ثانيه -: الأخذ خفية، وعُرّفت في الشرع بأخذ شيء خفية، ليس للآخذ