فإن سياق الكلام يقتضي ذَمّ من أخذ القليل، لا الكثير، والخبر إنما ورد لتعظيم ما جَنَى على نفسه، بما تقلّ به قيمته، لا بأكثر، والصواب تأويله على ما تقدم من تقليل أمره، وتهجين فعله، وأنه إن لم يُقطع في هذا القدر، جَرَّته عادته إلى ما هو أكثر منه.
وأجاب بعض من انتصر لتأويل الأعمش، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قاله عند نزول الآية مجملة، قبل بيان نصاب القطع. انتهى.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ - رضي الله عنه - أنه قَطَع يد سارق في بيضة حديد، ثمنها ربع دينار، ورجاله ثقات، مع انقطاعه، ولعل هذا مستند التأويل الذي أشار إليه الأعمش.
وقال بعضهم: البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح، وفي المبالغة في الذم، فمن الأَولى قولهم: فلان بيضة البلد، إذا كان فردًا في العَظَمة، وكذا في الاحتقار، ومنه قول أخت عمرو بن عبد وَدّ، لَمّا قَتَل عليّ أخاها، يوم الخندق، في مرثيتها له [من البسيط]:
ويقال في المدح أيضًا: بيضة القوم؛ أي: وسطهم، وبيضة السنام؛ أي: شَحْمته، فلما كانت البيضة تُستعمل في كل من الأمرين، حَسُنَ التمثيل بها؛ كأنه قال: يسرق الجليل، والحقير، فيقطع، فرُبَّ أنه عُذِر بالجليل، فلا عُذْر له بالحقير، وأما الحبل فأكثر ما يُستعمل في التحقير؛ كقولهم: ما ترك فلان عِقالًا، ولا ذهب من فلان عِقالٌ، فكأن المراد أنه إذا اعتاد السرقة، لم يتمالك مع غلبة العادة التمييز بين الجليل والحقير، وأيضًا فالعار الذي يلزمه بالقطع، لا يساوي ما حصل له، ولو كان جليلًا. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.