للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عمر: أتصلي عليها، وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبةً، لو قُسمت بين سبعين لوسعتهم".

وحكى المنذريّ قول مَن حمل الصلاة في الخبر على الدعاء، ثم قال: في قصة الجهنية دلالة على توهين هذا الاحتمال، قال: وكذا أجاب النوويّ، فقال: إنه فاسد؛ لأن التأويل لا يصار إليه إلا عند الاضطرار إليه، ولا اضطرار هنا.

وقال ابن العربيّ: لم يثبت أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى على ماعز، قال: وأجاب من منع عن صلاته على الغامدية؛ لكونها عَرَفت حكم الحدّ، وماعز إنما جاء مستفهمًا، قال: وهو جوابٌ واهٍ، وقيل: لأنه قتله غضبًا لله، وصلاته رحمة، فتنافيا، قال: وهذا فاسد؛ لأن الغضب انتهى، قال: ومحل الرحمة باق.

والجواب المرضي أن الإمام حيث ترك الصلاة على المحدود كان ردعًا لغيره، قال الحافظ: وتمامه أن يقال: وحيث صلى عليه يكون هناك قرينة لا يحتاج معها إلى الردع، فيختلف حينئذ باختلاف الأشخاص.

وقد اختَلَف أهل العلم في هذه المسألة، فقال مالك: يأمر الإمام بالرجم، ولا يتولاه بنفسه، ولا يُرفع عنه حتى يموت، ويخلي بينه وبين أهله يغسلونه، ويصلّون عليه، ولا يصلي عليه الإمام ردعًا لأهل المعاصي، إذا عَلِموا أنه ممن لا يصلى عليه، ولئلا يجترئ الناس على مِثل فعله، وعن بعض المالكية: يجوز للإمام أن يصلي عليه، وبه قال الجمهور، والمعروف عن مالك أنه يكره للإمام، وأهل الفضل الصلاة على المرجوم، وهو قول أحمد، وعن الشافعيّ: لا يُكره، وهو قول الجمهور، وعن الزهريّ: لا يصلى على المرجوم، ولا على قاتل نفسه، وعن قتادة: لا يصلى على المولود من الزنا، وأَطلق عياض، فقال: لم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسق، والمعاصي، والمقتولين في الحدود، وإن كَرِه بعضهم ذلك لأهل الفضل، إلا ما ذهب إليه أبو حنيفة في المحارِبين، وما ذهب إليه الحسن في الميتة من نفاس الزنا، وما ذهب إليه الزهريّ، وقتادة. قال: وحديث الباب في قصة الغامدية حجة للجمهور، والله أعلم. انتهى (١).


(١) "الفتح" ١٥/ ٦٢٣ - ٦٢٤، كتاب "الحدود" رقم (٦٨٢٠).