للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً … وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ

فابن عبّاس سلك طريق الاختصار، فأخذ من أول القصّة وآخرها؛ إذ كان قصده بيان رجم الزاني المحصَن بعد إقراره، وبُريدة، وأبو هريرة، ويزيد سلكوا سبيل الإطناب في بيان مسائل مهمّة للأمة، وذلك لا يَبعد أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغه حديث ماعز، فأحضره بين يديه، فاستنطقه؛ ليُنكر ما نُسب إليه؛ لدرء الحدّ، فلما أقرّ أعرض عنه، فجاءه من قِبَل اليمين بعد ما كان ماثلًا بين يديه، فأعرض عنه، فجاءه من قِبَل الشمال، يدلّ عليه حديث أبي هريرة: "ثم جاءه من شقّه الآخر"، وكلُّ ذلك ليرجع عما أقرّ، فلمّا لم يجد فيه ذلك، قال: "أبِكَ جنون؟ " إلى آخره.

ونظير سلوك ابن عبّاس في أخذ أول القصّة وآخرها قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: ١٥، ١٦]، فالفاء في "فأخذناه"؛ كالفاء في "أمَرَ به، فرُجِم"، فالفاء تستدعي حالات، وتارات، وشؤونًا لا تكاد تنضبط إلى أن يتّصل إلى أول القصّة من قوله: {أَرْسَلْنَا} {فَعَصَى}، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(قَالَ) ماعز - رضي الله عنه - (وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ" أي: زنيت بها، واسمها فاطمة، فقد أخرج الحديث النسائيّ في "الكبرى" من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن يزيد بن نعيم بن هزال، وكان هزال استرجم ماعزًا، قال: كانت لأهلي جارية ترعاهم غنمًا لهم، يقال لها: فاطمة، قد أملكت، وأن ماعزًا وقع عليها، وأن هزالًا أخذه، فقال له: انطلق إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنخبره بالذي صنعت، عسى أن ينزل فيك قرآن، فأمر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فرُجم، فلمّا عظمت مَسّ الحجارة انطلق، فاستقبله رجل بكذا وكذا، وبساق بعير، فضربه، فصرعه، فقال: "يا هزال لو سترته بثوبك، كان خيرًا لك". انتهى (٢).

وقال صاحب "التنبيه": اسمها فاطمة فتاة هزّال، وقيل: منيرة، وقيل:


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٢٢.
(٢) "السنن الكبرى" للنسائيّ ٤/ ٣٠٧.