للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من صحة هذه الأقوال كلها؛ لثبوتها عن أهل اللغة، وأهل المعرفة باللسان، قال ابن عبد البر: الأوجه كلها موجودة في الخمرة؛ لأنها تُرِكَت حتى أَدْرَكت، وسكنت، فإذا شُربت خالطت العقل، حتى تغلب عليه، وتغطيه.

وقال القرطبيّ: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها، وكثرتها، تُبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب، وللسُّنَّة الصحيحة، وللصحابة؛ لأنهم لمّا نزل تحريم الخمر فَهِمُوا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر، ولم يفرِّقوا بين ما يُتخذ من العنب، وبين ما يتخذ من غيره، بل سَوُّوا بينهما، وحَرَّموا كل ما يُسكر نوعه، ولم يتوقفوا، ولا استفصلوا، ولم يُشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبِلُغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردّد لتوقفوا عن الإراقة، حتى يستكشفوا، ويستفصلوا، ويتحققوا التحريم؛ لِمَا كان تقرر عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلمّا لم يفعلوا ذلك، وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فَهِموا التحريم نصًّا، فصار القائل بالتفريق سالكًا غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر - رضي الله عنه - بما يوافق ذلك، وهو ممن جعل الله الحق على لسانه، وقلبه، وسَمِعه الصحابةُ وغيرهم، فلم يُنقل عن أحد منهم إنكار ذلك.

وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرًا لزم تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في ذلك، ثم ذَكَرها، قال: وأما الأحاديث عن الصحابة التي تمسك بها المخالف فلا يصح منها شيء، على ما قال عبد الله بن المبارك، وأحمد، وغيرهم، وعلى تقدير ثبوت شيء منها فهو محمول على نقيع الزبيب، أو التمر من قبل أن يدخل حدّ الإسكار؛ جمعًا بين الأحاديث. قال الحافظ: ويؤيده ثبوت مثل ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي في "باب نقيع التمر" (١).


(١) أراد به ما أخرجه البخاريّ عن سهل بن سعد الساعديّ، أن أبا أُسيد الساعديّ دعا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعُرْسه، فكانت امرأته خادمهم يومئذ، وهي العروس، فقال: هل تدرون =