للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيها النهبة، فكرهه مالك، والشافعيّ، وأجازه الكوفيون، وإنما كُرِه؛ لأنه قد يأخذ منه من لا يحبّ صاحب الشيء أَخْذه، ويجب أخْذ غيره، وما حُكِي عن الحسن أنَّه كان لا يرى بأسًا بالنهب في العرسات، والولائم، وكذلك الشعبيّ فيما رواه ابن أبي شيبة عنه، فليس من النهبة المحرَّمة، وكذا حديث عبد الله بن قُرْط عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال في البُدن التي نَحَرها: "من شاء اقتَطَعَ" (١). قال الشافعيّ: صار ملكًا للفقراء؛ لأنه خلى بينه وبينهم.

وأما ما رُوي عن عون بن عمارة، وعصمة بن سليمان، عن لِمَازة بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان في إملاك، فجاءت الجواري معهنّ الأطباق، عليها اللوز والسكر، فأمسك القوم أيديهم، فقال: "ألا تنتهبون؟ " قالوا: إنك كنت نهيتنا عن النُّهبة، قال: "تلك نُهبة العساكر، فأما العرسان فلا"، قال: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاذبهم، ويجاذبونه.

فقال البيهقيّ: عون، وعصمة لا يُحتج بحديثهما، ولِمَازة مجهول، وابن معدان عن معاذ منقطع.

وقال الشافعيّ: فان أخذ آخذ لا تُجرح شهادته؛ لأنَّ كثيرًا يزعم أن هذا مباح؛ لأنَّ مالكه إنما طرحه لمن يأخذه، وأما أنا فأكرهه لمن أخذه، وكان أبو مسعود الأنصاريّ يكرهه، وكذلك إبراهيم، وعطاء، وعكرمة، ومالك، وذكر ابن قدامة أنَّه يجب القطع على المنتهب قبل القسمة، وحُكِي عن داود أنَّه يرى القطع على من أخذ مال الغير، سواء أخذه من حرز، أو من غير حرز، أفاده في "العمدة" (٢).

وقوله: (وَلَا نَعْصِيَ) بالعين، والصاد المهملتين، قال في "الفتح": وقع في بعض النسخ: "ولا نقضي" بقاف وضاد معجمة، وهو تصحيف، وقد تكلف بعض الناس في تخريجه، وقال: إنه نهاكم عن ولاية القضاء، ويبطله أن


(١) حديث صحيح: أخرجه أبو داود في "سننه" ٢/ ١٤٨.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ١٣/ ٣٥، كتاب "المظالم" رقم (٢٤٧٤).