يجلس بين القاسم وسالم يشاورهما، وَوَلِي محارب بن دثار قضاء الكوفة فكان يجلس بين الحَكَم وحمّاد يشاورهما، ما أحسن هذا لو كان الحكام يفعلونه، يشاورون وينتظرون، ولأنه قد ينتبه بالمشاورة، ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة، ولأن الإحاطة بجميع العلوم متعذرة، وقد ينتبه لإصابة الحق، ومعرفة الحادثة من هو دون القاضي، فكيف بمن يساويه، أو يزيد عليه!؟ فقد رُوي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - جاءته الجدتان، فوَرَّث أم الأم، وأسقط أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقد أسقطت التي لو ماتت ورثها، ووَرّثتَ التي لو ماتت لم يرثها، فرجع أبو بكر، فأشرك بينهما. ورَوَى عمر بن شَبّة عن الشعبي أن كعب بن سوّار كان جالسًا عند عمر، فجاءته امرأة، فقالت يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلًا قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائمًا، ويظل نهاره صائمًا، في اليوم الحارّ، ما يُفطر، فاستغفر لها، وأثنى عليها، وقال: مثلك أُنْثَى الخير، قال: واستحيت المرأة فقامت راجعة، فقال كعب: يا أمير المؤمنين هَلّا أعديت المرأة على زوجها، قال: وما شَكَت؟، قال: شكت زوجها أشدّ الشكاية، قال: أَوَ ذاك أرادت؟ قال: نعم، قال: رُدُّوا عليّ المرأة، فقال: لا بأس بالحق أن تقوليه، إن هذا زعم أنك جئت تشكين زوجك، أنَّه يجتنب فراشك، قالت: أجل، إني امرأة شابة، وإني لأبتغي ما يبتغي النساء، فأرسل إلى زوجها، فجاء، فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أمير المؤمنين أحق أن يقضي بينهما، قال: عزمت عليك لتقضينّ بينهما، فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم، قال: فإني أرى كأنها عليها ثلاث نسوة، هي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام بلياليهن، يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما رأيك الأوّل، أعجب إلي من الآخِر، اذهب فأنتَ قاض على البصرة.
إذا ثبت هذا، فإنَّه يشاور أهل العلم والأمانة؛ لأنَّ من ليس كذلك فلا قول له في الحادثة، ولا يُسكن إلى قوله، قال سفيان: وليكن أهل مشورتك أهل التقوى، وأهل الأمانة، ويشاور الموافقين والمخالفين، ويسألهم عن حجتهم؛ لِيَبِين له الحق.
والمشاورة ههنا لاستخراج الأدلة، ويُعرفُ الحق بالاجتهاد، ولا يجوز