للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] ناسخ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة، وبيع الْغَرَر، وبيع ما لم يُخلَق إلى سائر ما نَهَى عنه في البيوع، ولجاز أن يقال: إن قول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] ناسخ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صدقة في الخيل والرقيق"، وهذا لا يسوغ لأحد؛ لأن السُّنَّة مُبَيِّنة للكتاب، زائدة عليه، ما (١) أَذِنَ الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم به، ولو جاز ذلك لارتفع البيان، والله عز وجل يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، والله يَفترِض في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء.

وقد أمر الله بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمرًا مطلقًا، وأخبر أنه لا يخطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أوتيت الكتاب، ومثله معه"، وقال عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]، قالوا: القرآن والسُّنَّة.

ومن القياس والنظر: أنّا وجدنا اليمين أقوى من المرأتين؛ لأنهما لا مدخل لهما في اللِّعان، واليمين تدخل في اللعان، ولَمّا أثبت أن يُحكَم بشهادة امرأتين ورجل في الأموال، كان كذلك اليمين مع شهادة رجل.

وفي الأصول: أن من قَوِيَ سببه حَلَفَ واستَحَقّ، ألا ترى أن الشيء إذا كان في يد أحد حَلَف صاحب اليد، فكذلك الشاهد الواحد.

وما ذكروا من أن الزيادة من حُكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منسوخة بآية الدَّين ينتقض عليهم بالإقرار، والنكول، ومعاقر القِمْط، وأنصاب اللَّبِن والجذوع الموضوعة في الحيطان، فإنهم قد حَكَموا بكل ذلك، وليس مذكورًا في الآية، فإذا استجازوا أن يستحسنوا، ويزيدوا على النصّ ذلك كله استحسانًا، فكيف ينكرون الزيادة عليه بالأخبار الثابتة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن الخلفاء، وجمهور العلماء، وصحيحِ الأثر والنظر؟ والأمر في هذا أوضح من أن يُحتاج فيه إلى إكثار، وفيما ذكرنا منه كفاية لمن فَهِمَ، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه اللهُ (٢).


(١) "ما" بدل من "الكتاب".
(٢) "التمهيد" ٢/ ١٥٣ - ١٥٦.