للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذي خصصه به عمن سواه من أبناء جنسه، وأهل زمانه، ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: ٤٤]، وقولُهُ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: ١٢] أي غنيّ عن العباد، لا يتضرر بذلك، ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعًا، فإنه الغني عما سواه، فلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)} [لقمان: ١٣ - ١٥].

يقول تعالى مخبرًا عن وصية لقمان لولده، وهو لقمان بن عنقاء بن سدون، واسم أبيه ثاران، في قول حكاه السهيليّ، وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر، وأنه آتاه الحكمة، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه، وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يَعْرِف، ولهذا أوصاه أوّلًا بأن يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا، ثم قال مُحَذّرًا له: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي هو أعظم الظلم.

ثم قَرَن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البرَّ بالوالدين، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣]، وكثيرًا ما يَقْرُن تعالى بين ذلك في القرآن، وقال ههنا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} قال مجاهد: مشقةَ وَهْنِ الولد، وقال قتادة: جَهْدًا على جهد، وقال عطاء الخراسانيّ: ضعفًا على ضعف.

وقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] الآية، ومن ههنا استنبط ابنُ عباس وغيره من الأئمة أنّ أقلّ مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال في الآية الأخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥]، وإنما يذكر تعالى تربيةَ الوالدة، وتَعَبَها، ومشقتها في سَهَرِها ليلًا ونهارًا؛ لِيُذَكِّر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ