للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": واللفظ الثاني - وهو قوله: "من عَمِلَ" - أعم من اللفظ الأول - وهو قوله: "من أحدث" - فيُحتَجُّ به في إبطال جميع العقود المنهية، وعدم وجود ثمراتها المرتَّبة عليها، وفيه ردُّ المحدَثات، وأن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين، فيجب ردّها. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أنه يستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغيّر ما في باطن الأمر؛ لقوله: "ليس عليه أمرنا"، والمراد به أمر الدين.

٤ - (ومنها): أن الصلح الفاسد مُنتَقَضٌ، والمأخوذ عليه مُستَحَقّ الرد.

٥ - (ومنها): أن هذا الحديث دليلٌ لمن يقول من الأصوليين: إن النهي يقتضي الفساد، ومن قال: لا يقتضي الفساد يقول: هذا خبر واحد، ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة، قال النوويّ رحمه الله: وهذا جواب فاسد.

وقال القرطبيّ رحمه الله: فيه حجةٌ على أن النهي يدلّ على الفساد، وهو قول جمهور الفقهاء. وذهب بعض المالكيّة، وأكثر المتكلّمين إلى أنه لا يدلّ على الفساد، وإنما مدلوله المنع من إدخال المنهيّ عنه في الوجود فقط، وأما حُكمه إذا وقع من فساد أو صحّة، فالنهي لا يدلّ عليه، ويُنظر دليل ذلك من خارج النهي، وقد اختلف حال المنهيّات، فبعضها يصحّ إذا وقع، كالطلاق في الحيض، وبعضها لا يصحّ، كبيع الملاقيح والمضامين، وبعضها يَختلف فيه الفقهاء، كالبيع عند النداء. انتهى قول القرطبيّ رحمه الله (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ هو ما عليه جمهور الفقهاء من أن النهي يقتضي الفساد، وهذا فيما إذا لم يدلّ دليلٌ على خلافه، كالنهي عن تلقّي الجلب، فقد أخرج مسلم في "صحيحه"، وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لا تَلَقَّوُا الجلب، فمن تلقّاه، فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"، فقد خيّر - صلى الله عليه وسلم - صاحبه بعد النهي بين أن يجيز البيع، وبين أن يُبطله، فدلّ على أن النهي ليس للفساد، ومثله النهي عن التصرية، فقد أخرج مسلم أيضًا عن أبي هرير - رضي الله عنه - مرفوعًا: "ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النَّظَرين، بعد أن يَحْلُبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها


(١) "الفتح" ٥/ ٦٤٢.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٧١.