للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحدث في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فليس من الدين في شيء.

قال: فهذا الحديث بمنطوقه يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره ههنا: دينه وشرعه، كالمراد بقوله في الرواية الأخرى: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد"، فالمعنى إذًا: أنّ من كان عمله خارجًا عن الشرع، ليس متقيدًا بالشرع، فهو مردود. وقوله: "ليس عليه أمرنا" إشارةٌ إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، فتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها، بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشريعة، موافقًا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجًا عن ذلك فهو مردود، فأما العبادات فما كان منها خارجًا عن حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بالكلية فهو مردود على عامله، وعاملُه يدخل تحت قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، فمن تقرَّب إلى الله بعمل لم يجعله الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قربة إلى الله، فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية (١).

وهذا كمن تقرَّب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدَثات التي لم يشرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - التقرب بها بالكلية. وليس ما كان قربة في عبادة، يكون قربة في غيرها مطلقًا، فقد رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا قائمًا في الشمس، فسأل عنه، فقيل: إنه نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، وأن يصوم، فأمره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقعد، ويستظل، وأن يتم صومه (٢).

فلم يجعل قيامه، وبروزه في الشمس قربة يوفَّى بنذرهما، وقد رُوي أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو على المنبر، فنذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ما دام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب؛ إعظامًا لسماع خطبة


(١) "المكاء": صفير الطير. و"التصدية": التصويت بالتصفيق وغيره.
(٢) أخرجه البخاريّ في "صحيحه" ١٣/ ٤٤٦، كتاب "الأيمان والنذور".