كذا على جهة الاحتياط للُّقطة مخافة طارئٍ يطرأ على الملتقط من موت، أو آفة، أو طروء خاطر خيانةٍ.
وقوله:"ولا يكتم، ولا يُغيِّب" يعني به: أنَّه يعرِّفها بأعمِّ أوصافها، ويستدعي من الْمُدَّعي أخصَّ أوصافها المميَّزة لها، كما تقدم.
وأمَّا ما رواه أبو داود من حديث عليٍّ - رضي الله عنه -: أنَّه وجد دينارًا فرهنه في درهم لحمًا، وأنه أعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأقرَّه، ولم يُنكر عليه تصرَّفه في الدينار بالرَّهن، فلا حجَّة فيه لمن يستدلُّ به: على أن القليل من اللقطة لا يُعرَّف؛ لأنَّ عليًّا - رضي الله عنه - إنما فعل ذلك في حال ضرورة؛ لأنه دخل بيته والحسن والحسين يبكيان من الجوع، فخرج فوجد الدينار، ففعل ذلك حين لم يجد شيئًا آخر، وفي مثل هذه الحال تحل الميتة، فأحرى التصرف في الوديعة، ثم إنَّه لم يُتلف عين الدينار، وإنَّما رهنه، فلمَّا جاء صاحبه، افْتَكَّهُ ودفعه إليه، وذكر في هذا الحديث: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استدعى مدَّعِي الدينار، فسأله، فقال: سقط مني في السُّوق. فأمر عليًّا بافتكاكه، ثم دفعه إلى الرَّجل، من غير أن يسأل عن وصف من أوصاف الدينار، فيَحْتَمِل أن يكون اكتفى منه بقوله: أنَّه ضاع مني في السُّوق، وقد كان عليٌّ وجده في السُّوق؛ لأنَّ الدينار الواحد ليس فيه عدد، وقد لا يكون له وعاء، ولا وكاء، والدنانير متساوية الأشخاص غالبًا، ويَحْتَمِل أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - علم أنه صاحبه بوحي، أو بقرائن، فلا حجَّة فيه على سقوط السؤال عن الأوصاف، والله تعالى أعلم.
وقد حصل من هذا: أن اللقطة لا بدَّ لها من تعريف؛ فإن كانت مما لها بال ومقدار عُرِّفت سنة، وإن كانت مما ليس لها ذلك المقدار؛ كان تعريفها بحسبها من غير حدٍّ بعدد مخصوص، ولا زمان مخصوص، بل على الاجتهاد، وأما الثمرة، والكِسرة: فلا تحتاج إلى تعريف؛ لأنها مزهودٌ فيها، ولا تتشوَّف نفس صاحبها إليها، وهذا مذهب مالك وغيره. انتهى كلام القرطبيّ (١) وهو بحث مفيد، والله تعالى أعلم.
(فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) وفي رواية للبخاريّ: "فإن جاء أحد يخبرك بها")،