٢ - (ومنها): تعريف اللقطة ثلاثة أعوام، وهذا على سبيل الاحتياط، والاستحباب، وإلا فالواجب تعريفها سنةً، على حديث زيد بن خالد الجهنيّ، وقد تقدّم التوفيق بينهما قريبًا.
٣ - (ومنها): أن فائدة الأمر بحفظ عددها، ووعائها، ووكائها أن يُعرف بها صدق المدّعي من كذبه، والتنبيه على العناية بحفظ الوعاء؛ لأنَّ العادة جرت لإلقائه بعد أخذ النفقة منه، ومنه يؤخذ أن حفظ المال يكون من باب أَوْلى.
٤ - (ومنها): ما قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: استدلال أُبيٍّ بن كعب بحديث المائة الدينار حيث سُئل عن التقاط السَّوط؛ يدلُّ على أنَّ مذهبه التسوية بين قليل اللقطة وكثيرها في وجوب التعريف بها سَنَةً، وأنَّه يستظهر بعد ذلك بحولين، وهذا لَمْ يقل به أحدٌ في الشيء اليسير، وقد قدمنا: أنَّه لَمْ يأخذ أحد من العلماء بتعريف ثلاثة أعوام إلَّا شيءٌ رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، والجمهور على أنَّ التعريف فيما له بال سَنَةٌ؛ لأنَّ صاحبها إن كان حاضرًا تنبَّه لها، وتذكَّرها، وظهر طلبه لها في هذه السَّنَة، وإن كان غائبًا أمكن عوده وطلبها في هذه السَّنة، أو يسمع خبره فيها، فإذا لَمْ يأت بعد السَّنة؛ فالظاهر الغالب: أنَّه هلك، وأن هذا المال ضائع؛ فواجده أولى به؛ وهذا في الشيء الكثير، فأمَّا في الشيء اليسير، فيمكن أن يكون صاحبه تركه استسهالًا واستخفافًا، وأنَّه غير محتاج إليه، وهذأ في التمرة والكِسرة واضح، فلا يحتاج إلى تعريف، وألحق بعض أصحابنا أقلّ من الدرهم بذلك، وأبعد أبو حنيفة فقال: لا تعريف في أقلّ من ثمانية دراهم، وأبعد من هذا قول إسحاق: إن الدينار لا يحتاج إلى تعريف، تمسُّكًا بحديث عليّ المتقدم، وقد قدَّمنا: أنَّه لا حجَّة فيه.
وأمَّا أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبَيٍّ بزيادة التعريف على سَنَة بسَنَةٍ أو سَنَتين، على اختلاف الرواية فذلك مبالغة، واحتياط على جهة الاستحباب كما تقدم، لا سيما مع استغناء الملتقِط عن الانتفاع بها، قالوا: وكذلك كان أُبيّ - رضي الله عنه - مستغنيًا عنها. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.