للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يحمل على هذا عملًا بالروايتين. انتهى (١).

قال في "الفتح": ويَحْتَمِل أن يكون المراد بقوله: "وجائزته" بيانًا لحالة أخرى، وهي أن المسافر تارةً يقيم عند من ينزل عليه، فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها، وتارةً لا يقيم، فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلةً، ولعل هذا أعدل الأوجه، والله أعلم.

(وَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ") - بضم الميم - (٢)، يقال: صَمَتَ صَمْتًا، من باب قتل: سكت، وصُمُوتًا، وصُماتًا، فهو صامت، وأصمته غيره، وربّما استُعمل الرباعيّ لازمًا أيضًا، قاله الفيّوميّ (٣).

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: "فليقل خيرًا أو ليصمت": يعني: أن المصدِّق بالثواب والعقاب الْمُترتِّبَيْن على الكلام في الدَّار الآخرة لا يخلو من إحدى الحالتين: إما أن يتكلَّم بما يُحَصِّل له ثوابًا، وخيرًا فَيَغْنَم، أو يسكت عن شيء يجلُب له عقابًا وشرًّا فَيَسْلَم، وعلى هذا فتكون "أو" للتنويع والتقسيم، وقد أكثر الناس في تفصيل آفات الكلام، وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر ونظام.

وحاصل ذلك أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان، وأعظمها في الهلاك والخسران. فالأصل: ملازمة الصمت إلى أن تتحقق السلامة من الآفات، والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة، وبأزمَّة التقوى مزمومة، والله تعالى وليّ التوفيق. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٤).

وقال في "الفتح": وهذا من جوامع الكلم؛ لأنَّ القول كله إما خير، وإما شرّ، وإما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كلّ مطلوب من الأقوال: فَرْضِها، ونَدْبِها، فَأَذِن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه، وما عدا ذلك


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٩/ ٢٨٦٦.
(٢) هذا هو الذي أثبته في كتب اللغة: "الصحاح"، و"القاموس"، و"المصباح"، ففي كلها أنه بضمّ الميم، وأما ما قاله في "الفتح" من جواز كسر الميم، ففيه نظر، فتنبّه.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٤) "المفهم" ٥/ ١٩٩ - ٢٠٠.