(فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل) مفعول "زاد" محكيّ لِقَصْد لفظه، وقوله: ({مَا قَطَعْتُمْ}) الآية مفعول "أَنْزَلَ" محكيّ أيضًا؛ لقصد لفظه.
وقال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله في "تفسيره": قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} "ما" في محل نصب بـ "قطعتم"، كأنه قال: أي شيء قطعتم، وذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا نزل على حصون بني النضير - وهي البويرة - حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أُحد، أمر بقطع نخيلهم، وإحراقها، واختلفوا في عدد ذلك، فقال قتادة والضحاك: إنهم قطعوا من نخيلهم، وأحرقوا ست نخلات، وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة، وأحرقوا نخلة، وكان ذلك عن إقرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بأمره، إما لإضعافهم بها، وإما لسعة المكان بقطعها، فشقّ ذلك عليهم، فقالوا - وهم يهود أهل الكتاب -: يا محمد، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا، فقال بعضهم: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا، وقال بعضهم: اقطعوا لنُغيظهم بذلك، فنزلت الآية بتصديق مَن نَهَى عن القطع، وتحليل من قطع من الإثم، وأخبر أن قَطْعه وتَرْكه بإذن الله، وقال شاعرهم سماك اليهوديّ في ذلك:
أَلَسْنَا وَرِثْنَا الْكِتَابَ الْحَكِيمْ … عَلَى عَهْدِ مُوسَى وَلَمْ نُصْدِفِ
وَأَنْتُمْ رِعَاءُ لِشَاءٍ عِجَافْ … بِسَهْل تِهَامَةَ وَالأَخْيَفِ
تَرَوْنَ الرِّعَايَةَ مَجْدًا لَكُمْ … لَدَى كُلِّ دَهْرِ لَكُمْ مُجْحِفِ
فَيَا أَيُّهَا الشَّاهِدُونَ اْنَتُهوا … عَنِ الظُّلْمِ وَالْمَنْطِقِ الْمُؤنِفِ
لَعَلَّ اللَّيَالِي وَصَرْفَ الدُّهُورْ … يُدِلْنَ مِنَ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ
بقَتْلِ النَّضِيرِ وَإِجْلَائِهَا (١) … وَعَقْرِ النَّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفِ
فأجابه حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:
تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا … وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ
هُمُو أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ … وَهُمْ عُمْيٌ عَنِ التَّوْرَاةِ بُورُ
(١) وفي "سيرة ابن هشام": "وَأَحْلَافِهَا".