للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَبْ لِي)؛ أي: أعطني (هَذَا) السيف، وفي الرواية التالية: "فقال: يا رسول الله نفّلنيه"؛ أي: أعطنيه زائد على نصيبي من الغنيمة، وفي الرواية الآتية في "الفضائل": قال: "وأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف، فأخذته، فأتيت به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: نفّلني هذا السيف، فأنا من قد علمتَ حاله". (فَأَبَى)؛ أي: امتنع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من هبته له، بل قال له: "رُدّه من حيث أخذته"، (فَأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}. قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه اللهُ في "المفهم": هذا يقتضي أن يكون ثَمَّ سؤال عن حكم الأنفال، ولم يكن هنالك سؤال عن ذلك على ما يقتضيه هذا الحديث، ولذلك قال بعض أهل العلم: إن "عن" صلة، ولذلك قرأه ابن مسعود بغير "عن": (يسألونك الأنفال). وقال بعضهم: إن "عن" بمعنى "مِنْ"؛ لأنه إنما سأل شيئًا معيَّنًا، وهو السيف، وهو من الأنفال.

و"الأنفال": جمع نَفَل - بفتح الفاء - هنا؛ كجَمَل وأجمال، ولَبَن وألبان، وقد اختُلف في المراد بالأنفال هنا في الآية؛ هل هي الغنائم؛ لأنها عطايا، أو هي مما يُنَفّل من الخُمس بعد القَسْم؟ وكذلك اختُلف في أخذ سعد لهذا السيف؛ هل كان أخذه له من القبض قبل القسم، أو بعد القسم؟ وظاهر قوله: "ضعه حيث أخذته" أنه قبل القسم؛ لأنه لو كان أخذه له بعد القسم لَأَمره أن يردّه إلى من صار إليه في القسم. انتهى (١).

({قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}) قال القرطبيّ رحمه اللهُ: ظاهره إن حملنا الأنفال على الغنائم أن الغنيمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليست مقسومة بين الغانمين، وبه قال ابن عباس وجماعة، ورأوا أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال: ٤١]، وظاهرها أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، وقد رُوي عن ابن عباس أيضًا: أنها مُحْكَمة، غير منسوخة، وأن للإمام أن ينفِّل من الغنائم ما شاء لمن شاء؛ لِمَا يراه من المصلحة، وقيل: هي مخصوصة بما شذّ من المشركين إلى المسلمين من: عبدٍ، أو أمَةٍ، أو دابةٍ، وهو قول عطاء، والحسن، وقيل: المراد بها: إنفاذ السَّرايا. والأَولى: أن


(١) "المفهم" ٣/ ٥٤٥.