للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا)؛ أي: من جولتهم تلك إلى قتال الكفّار بعد أن دعاهم عبّاس بن عبد المطّلب - رضي الله عنه - بأمره - صلى الله عليه وسلم -، كما سيأتي في "غزوة حنين"، وفيه: "أي عبّاس نَادِ أصحاب الشجرة - وكان العبّاس صيّتًا - قال: فناديت بأعلى صوتي: أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عَطْفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، فاقتتلوا والكفّار … " الحديث.

(وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: بعد نهاية المعركة، (فَقَالَ: "مَنْ) شرطيّة مبتدأ، جوابها "فله سلبه"، (قَتَلَ قَتِيلًا) قال القرطبيّ رحمه اللهُ: فيه دليل على أن هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - كان بعد أن بَرَدَ القتال، وأما قبل القتال فيَكره مالك أن يقول مثل ذلك؛ لئلا تفسد نية المجاهدين. انتهى (١).

(لَهُ عَلَيْهِ)؛ أي: على قتله إياه (بَيِّنَةٌ) قال القرطبيّ رَحمه اللهُ: قال بظاهره الليث، والشافعيّ، وبعض أصحاب الحديث، فلا يستحق القاتل السلب إلا بالبيّنة، أو بشاهدٍ ويمين، وقال الأوزاعيّ، والليث بن سعد: ليست البيّنة شرطًا في الاستحقاق، بل إن اتفق ذلك فهو الأولى رفعًا للمنازعة، وإن لم يتفق كان للقاتل بغير بيّنة، ألا ترى أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا قتادة سلب مقتوله من غير شهادة، ولا يمين، ولا يكفي شهادة واحد، ولا يناط بها حكم بمجردها، لا يقال: إنما أعطاه إيَّاه بشهادة الذي هو في يده، وشهادة أبي بكر؛ لأن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يُقم شهادة لأبي قتادة، وإنما منع أن يُدفع السلب للذي ذكر أنه في يديه، ويمنع منه أبو قتادة، ويخرج على أصول المالكية في هذه المسألة، ومن قال بقولها: أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة؛ لأنه من الإمام ابتداء عطيّة. فإن شَرَط فيها الشهادة كان له، وإن لم يشترط، جاز أن يعطيه من غير شهادة، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه الأولون من اشتراط البيّنة في استحقاق السلب هو الأرجح؛ لظاهر هذا الحديث، فتبصّر، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٣/ ٥٤١.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٤٣.