وليس المراد بالسَّهم هنا أنها تُخْمَس، فتقسم سُهمانًا؛ لأن هذا هو حكم القِسم الآخر الذي ذكره بعد هذا، حيث قال:"وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم"، تُقسم أخماسًا، فيكون الخمس لله ورسوله، وأربعة أخماسها لكم، يخاطب بذلك الغانمين، وهذا كما قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الآية [الأنفال: ٤١]، ولم يختلف العلماء في أن أربعة أخماس الغنيمة يُقسم بين الغانمين، وأعني بالغنيمة: ما عدا الأرضين، فإن فيها خلافًا يُذْكَر - إن شاء الله تعالى -.
وأما الأُسارى ففيهم الخلاف المتقدم، وأما الخمس والفيء: فهل يُقسم في أصناف، أو لا يقسم؟ وإنما هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه حاجته من غير تقدير، ويعطي القرابة منه باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وهذا هو مذهب مالك، وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عَمِلوا، وعليه يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس"، فإنه لم يقسمه أخماسًا، ولا أثلاثًا، وأما من قال: بأنه يُقسم فقد اختلفوا، فمنهم من قال: يقسم على ستة أسهم: لله سهم، وللرسول سهم، وهكذا بقية الأصناف المذكورة في الآية، ثم منهم من قال: إن سهم الله يُدفع للكعبة، وبه قال طاووس، وأبو العالية، ومنهم من قال: للمحتاج، وأما سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان له في حياته، ثم هو للخليفة بعده، وقيل: يُصرف في مصلحة الغزاة، وقيل: يُردّ على القرابة.
وقال الشافعي: يُقسم على خمسة، ورأى: أن سهم الله ورسوله واحد، ثم إنه يُصرف في مصالح المسلمين، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية.
وقال أبو حنيفة: يُقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم لابن السبيل، وسهم للمساكين، فأما سهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وسهم القرابة، فقد سقط؛ لأنه إنما كان لهم لِغَنائهم ونُصرتهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأخذه لبيوته فيكون لهم، وأما ذِكر الله في أول الآية: فإنما هو على جهة التشريف لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يأنَفَ من الأخذ.
قال القرطبيّ: هذا نقل حُذاق المصنفين، ولا شك في أن الآية ظاهرها