للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال السبكيّ الكبير رحمه الله تعالى: الهاجس لا يؤاخذ به إجماعًا، والخاطر، وهو جريان ذلك الهاجس، وحديمث النفس لا يؤاخذ بهما؛ للحديث المشار إليه، والهمّ، وهو قصد فعل المعصية مع التردّد لا يؤاخذ به؛ لحديث الباب، والعزم، وهو قوّة ذلك القصد، أو الجزم به، ورفع التردّد، قال المحقّقون: يؤاخذ به، وقال بعضهم: لا، واحتجّ بقول أهل اللغة: همّ بالشيء: عزم عليه، وهذا لا يكفي، قال: ومن أدلّة الأول حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما … " وفيه: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، فعلّل بالحرص.

واحتجّ بعضهم بأعمال القلوب، ولا حجة معه؛ لأنها على قسمين:

[أحدهما]: لا يتعلّق بفعل خارجيّ، وليس البحث فيه.

[والثاني]: يتعلّق بالمقتتلين، عزم كلّ منهما على قتل صاحبه، واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه، وهو شهر السلاح، وإشارته به إلى الآخر، فهذا الفعل يؤاخذ به، سواء حصل القتل، أم لا. انتهى.

قال الحافظ: ولا يلزم من قوله: "فالقاتل والمقتول في النار" أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق (١).

وقال القرطبيّ ما حاصله: إن الذي لا يؤاخذ به هي الأحاديث الطارئة التي لا ثبات لها، ولا استقرار في النفس، ولا ركون إليها، ثم نقل عن القاضي أبي بكر (٢) أن الهمّ ها هنا ما يمرّ بالفكر من غير استقرار، ولا توطين، فلو استمرّ، ووطّن نفسه عليه لكان ذلك هو العزم المؤاخَذَ به، أو المثابَ عليه، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، متّفقٌ عليه، لا يقال: هذه المؤاخذة إنما كانت لأنه قد عَمِل بما استقرّ في قلبه من حمله السلاح عليه، لا بمجرّد حرص القلب؛ لأنا نقول: هذا فاسدٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد نصّ على ما وقعت المؤاخذة به، وأعرض عن غيره، فقال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه، فلو كان حملُ السلاح هو العلّة


(١) "فتح" ١٣/ ١٢٤ - ١٢٧.
(٢) أراد به القاضي أبا بكر الباقلّانيّ.