للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم أن الأرجح في هذه المسألة أن ما يخطر في القلب على قسمين:

[أحدهما]: الهواجس التي لا تستقرّ، فهي التي لا مؤاخذة بها، وهي المرادة بحديث الباب: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت بة أنفسها"، وعليه محمل آية قصّة يوسف، فإنه من هذا القبيل.

[والثاني]: ما يستقرّ في النفس، ويعزم به الإنسان، ويوطّن عليه نفسه، فهذا القسم يؤاخذ به؛ لأنه عمل القلب، فيشمله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم تعمل"، فإنه إذا عزم، ووطّن نفسه عليه، فهذا عمل القلب، ومنه حديث: "فإنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، فهذا التفصيل هو الذي به تجتمع الأدلّة المختلفة في هذا الباب.

وحاصله أن مجرّد الهواجس لا يؤاخذ به، وإنما يؤاخذ بالعزم، والهمّ القويّ، والحرص على تنفيذ ما همّ به، وكذلك أفعال القلوب التي لا خارج لها، مثل الحسد، وسوء الظنّ، والحقد، ونحو ذلك، فإنه يؤاخذ بها أيضًا؛ فقد تظاهرت نصوص الشرع الكثيرة على المؤاخذة بعزم القلب المستقرّ، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ١٩] الآية، وقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢]، والآيات والأخبار في هذا كثيرة، وتظاهرت نصوص الشرع، وإجماع العلماء على تحريم الحسد، واحتقار المسلمين، وإرادة المكروه بهم، وغير ذلك من أعمال القلوب وعزمها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


= بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالًا، ولم يرزقه علمًا، فهو يَخبِط في ماله، بغير علم، لا يتقي فيه ربه عز وجل، ولا يَصِل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، قال: وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو كان لي مال لعملت بعمل فلان، قال: هي نيته فوزرهما فيه سواء".
(١) "المفهم" ١/ ٣٤٠ - ٣٤١.