للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الفيّوميّ: هَتَفَ به هَتْفًا، من باب ضَرَبَ: صاح به، ودعاه، وهَتَفَ به هاتفٌ: سمع صوته، ولم يَرَ شَخْصَهُ، وهَتَفَت الحمامة: صَوَّتت. انتهى (١).

وقوله: (بِرَبِّهِ) متعلِّق بـ "يهتف"، (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ)؛ أي: عَجِّل (لِي مَا وَعَدْتَنِي)؛ أي: من النصر على أعدائي، وكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يتبيّن له وقت نصره، فطلب تعجيله (٢). (اللَّهُمَّ آتِ)؛ كأعط وزنًا ومعنًى، (مَما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، من باب ضرب، ويَحْتَمل أن يكون بضمّ أوله، وكسر ثالثه، من الإهلاك، قال النوويّ: ضبطوه "تَهْلِك" بفتح التاء، وضمّها، فعلى الأول تُرفع "العصابةُ" على أنَّها فاعل، وعلى الثاني تُنصب، وتكون مفعولة. انتهى.

(هَذِهِ الْعِصَابَةُ) بكسر العين المهملة: الجماعة، وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: العصابة: الجماعة من الناس، واعصَوْصَب القوم: صاروا عصابة، وعصب القوم بفلان؛ أي: أحاطوا به، وبه سُميت قرابة الرَّجل: عصبة. انتهى (٣).

وقوله: (مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ) بيان للعصابة، وقوله: (لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ") "لا" نافية، و"تعبد" بالبناء للمفعول مجزوم على أنَّه جواب "إن".

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في "الفتح": إنما قال ذلك؛ لأنه عَلِمَ أنه خاتم النبيين، فلو هَلَك هو ومن معه حينئذ لَمْ يُبْعَث أحدٌ ممن يدعو إلى الإيمان، ولاستمرّ المشركون يعبدون غير الله، فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة. انتهى (٤).

وقال القرطبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقد أشكل هذا الحديث على طوائف من العلماء، ووجه الإشكال أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشار إلى أصحابه من أهل بدر، مع أنه قد كان انتشر الإسلام بمكة والمدينة، وكَثُر أهله في مواضع كثيرة، بحيث يكون أهل بدر بالنسبة إليهم قليلًا، وعلى تقدير هلاك هؤلاء المشار إليهم، فيبقى من كان بالمدينة من المسلمين، وبمكة، وغيرهما من المواضع التي أسلم أهلها. ولو لَمْ يكن في الوجود مسلم غير أهل بدر تقديرًا، ففي الإمكان إيجاد قوم آخرين


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٣٣.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٧٢.
(٣) "المفهم" ٣/ ٥٧٢ - ٥٧٣.
(٤) راجع: "تحفة الأحوذيّ" ٨/ ٣٧٣.