للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيمن": هذا دليل لِمَا قدّمنا عن العلماء أنه لم يكن كلّ ما أعطت الأنصار على المساقاة، بل كان فيه ما هو منيحةٌ، ومواساةٌ، وهذا منه، وهو محمول على أنها أعطته - صلى الله عليه وسلم - ثمارها، يفعل فيها ما شاء، من أَكْله بنفسه، وعياله، وضيفه، وإيثاره بذلك لمن شاء، فلهذا آثر بها أم أيمن - رضي الله عنها -، ولو كانت إباحة له خاصّة لَمَا أباحها لغيره؛ لأن المباح له بنفسه لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره، بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء، فإنه يتصرف فيه كيف شاء. انتهى (١).

٦ - (ومنها): ما قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ أيضًا: قوله: "رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم … إلخ" هذا دليل على أنها كانت منائحَ ثمار؛ أي: إباحةً للثمار، لا تمليكًا لرقاب النخل، فإنها لو كانت هبةً لرقبة النخل، لم يرجعوا فيها، فإن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز، وإنما كانت إباحةً كما ذكرنا، والإباحة يجوز الرجوع فيها متى شاء، ومع هذا لم يرجعوا فيها، حتى اتسعت الحال على المهاجرين بفتح خيبر، واستغنَوْا عنها، فردُّوها على الأنصار، فقبلوها، وقد جاء في الحديث: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لهم ذلك. انتهى (٢).

٧ - (ومنها): أن في قصة أم أيمن - رضي الله عنها - أنها امتنعت من ردّ تلك المنائح حتى عوَّضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أمثالها، كما ذُكر في الرواية التالية، قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: وإنما فعلت هذا؛ لأنها ظَنّت أنها كانت هبة مؤتدة، وتمليكًا لأصل الرقبة، وأراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استطابة قلبها في استرداد ذلك، فما زال يزيدها في العِوَض حتى رَضِيت، وكلُّ هذا تبرعّ منه - صلى الله عليه وسلم -، وإكرام لها لِمَا لها من حقّ الحضانة والتربية. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتصل إلى المؤلّف رَحِمَهُ اللهُ أوّل الكتاب قال:

[٤٥٩٤] ( … ) - (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِيُّ، كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أنسٍ، أَنَّ رَجُلًا - وَقَالَ حَامِدٌ،


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٩٩ - ١٠٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ٩٩ - ١٠٠.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٠١.